تَعْلَمُواْ} أي فعلم تعالى ما في الصلح من الحكمة والخير والمصلحة لكم ما لم تعلموه أنتم قال ابن جزي: يريد ما قدَّره تعالى من ظهور الإِسلام في تلك المدة، فإِنه لما انعقد الصلح وارتفعت الحرب، رغب الناس في الإِسلام، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في غزوة الحديبية في ألف وأربعمائة، وغزا «غزوة الفتح» بعدها بعامين ومعه عشرة آلاف ﴿فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً﴾ أي فجعل قبل ذلك فتحاً عاجلاً لكم وهو «صلح الحديبية» وسُمي فتحاً لما ترتَّب عليه من الآثار الجليلة، والعواقب الحميدة، ولهذا روى البخاري «عن البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه:» تعدُّون أنتم الفتح «فتح مكة» وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعدُّ الفتح «بيعة الرضوان» يوم الحديبية.. «الحديث ﴿هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق﴾ أي هو جلَّ وعلا الذي أرسل محمداً بالهداية التامة الشاملة الكاملة، والدين الحق المستقيم دين الإِسلام ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلِّهِ﴾ أي لعيليه على جميع الأديان، ويرفعه على سائر الشرائع السماوية ﴿وكفى بالله شَهِيداً﴾ اي وكفى بالله شاهداً على أن محمداً رسوله.
. ثم أثنى تعالى على أصحاب رسول الله بالثناء العاطر، وشهد لرسوله بصدق الرسالة فقال ﴿مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله﴾ أي هذا الرسول المسمَّى محمداً هو رسولُ الله حقاً لا كما يقول المشركون ﴿والذين مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى الكفار رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ﴾ أي وأصحابه الأبرار الأخيار غلاظٌ على الكفار متراحمون فيما بينهم كقوله تعالى ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين﴾ [المائدة: ٥٤] قال أبو السعود: أي يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة، ولمن وافقهم في الدين الرحمة والرأفة قال المفسرون: وذلك لأن الله أمرهم بالغلظة عليهم ﴿وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] وقد بلغ من تشديدهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تمسَّ أبدانهم، وكان الواحد منهم إِذا رأى أخاه في الدين صافحه وعانقه ﴿تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً﴾ أي تراهم أيها السامع راكعين ساجدين من كثرة صلاتهم وعبادتههم، رهباتٌ بالليل أسودٌ بالنهار ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله وَرِضْوَاناً﴾ أي يطلبون بعبادتهم رحمة الله ورضوانه قال ابن كثير: وصفه بكثرة الصلاة وهي خير الأعمال، ووصفهم بالإِخلاص لله عَزَّ وَجَلَّ والاحتساب عنده بجزيل الثواب، وهو الجنة المشتملة على فضل الله ورضاه ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ السجود﴾ أي علامتهم وسمتُهم كائنة في جباههم من كثرة السجود والصلاة قال القرطبي: لاحت في وجوههم علامات التهجد بالليل وأمارات السهر، قال ابن جريج: هو الوقار والبهاء، وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع، قال منصور سألت مجاهداً عن قوله تعالى ﴿سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ﴾ أهو أثرٌ يكون بين عيني الرجل؟ قال: لا، ربما يكون بين عيني الرجل مثل ركبة العنز وهو أقسى قلباً من الحجارة، ولكنه نورٌ في وجوههم من الخشوع ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة﴾ أي ذلك وصفهم في التوراة: الشدة على الكفار، والرحمة بالمؤمنين، وكثرة الصلاة والسجود {وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ