عَنِتُّمْ} وقعتم في العَنت وهو المشقة والهلاك قال في اللسان: العن: الهلاك وأعنته أوقعه في الهلكة ﴿الراشدون﴾ جمع راشد وهو المهتدي إلى محاسن الأمور ﴿تفياء﴾ ترجع ﴿بَغَتْ﴾ اعتدت واستطاعت وأصله مجاوزة الحد في الظلم والطغيان ﴿تلمزوا﴾ تعيبوا.
سَبَبُ النّزول: أروي أن بعض الأعراب الجفاة جاءوا إلى حجرات أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فجعلوا ينادونه: يا محمد أُخرج إلينا، يا محمد أخرج إلينا فأنزل الله ﴿إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.
ب وروي أن النبي بعث «الوليد بن عقبة» إلى الحارث بن ضرار ليقبض ما كان عنده من الزكاة التي جمعها من قومه، فلما سار الوليد واقترب منهم خاف وفزع، فرجع إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال يا رسول الله: إنهم قد ارتدوا ومنعوا الزكاة، فهمَّ بعض الصحابة بالخروج إليهم وقتالهم فأنزل الله ﴿ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فتبينوا..﴾ الآية.
ج عن أنس قال: قيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لو أتيت «عبد الله بن أُبيٍّ» وهو رأس المنافقين فانطلق إليه وركب حماراً، وانطلق معه المسلمون يمشون، فلما أتاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال له: إليك عني أي تنحَّ وابتعد عني فوالله لقد آذاني نتنُ حمارك، فقال رجل من الأنصار والله لحمارُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجلٌ من قومه، وغضب للأنصاري آخرون من قومه، فكان بينهم ضربٌ بالجريد والأيدي والنعال، فأنزل الله ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ﴾ أي أيها المؤمون، يا من اتصفتم بالإِيمان، وصدَّقتم بكتاب الله، لا تقُدقموا أمراً أو فعلاً بين يدي الله ورسوله، وحُذِف المفعول للتعميم ليذهب ذهن السامع إلى كل ما يمكن تقديمه من قولٍ أو فعل، كما إِذا عرضت مسألة في مجلسه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يسبقونه بالجواب، وإِذا حضر الطعام لا يبتدئون بالأكل، وإِذا ذهبوا معه إلى مكان لا يمشون أمامه ونحو ذلك قال ابن عباس: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال الضحاك: لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله من شرائع دينكم وقال البيضاوي: المعنى لا تقطعوا أمراً قبل أن يحكم الله ورسوله به، وقيل: المراد بين يدي رسول الله، وذُكر اللهُ تعظيماً له وإِشعاراً بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله ﴿واتقوا الله إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي واتقوا الله فيما أمركم به، إن الله سمعٌ لأقوالكم، عليمٌ بنياتكم وأحوالكم، وإظهار الاسم الجليل واحترامه فقال ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي﴾ أي إِذا كلمتم رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فاخفضوا أصواتكم ولا ترفعوها على صوتِ النبي ﴿وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ أي ولا تبلغوا حدَّ الجهر


الصفحة التالية
Icon