عند مخاطبته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كما يجهر بعضكم في الحديث مع البعض، ولا تخاطبوه باسمه وكنيته كما يخاطب بعظكم بعضاً فتقولوا: يا محمد، ولكنْ قولوا يا نبيَّ الله، ويا رسول الله، تعظيماً لقدره، ومراعاةً للأدب قال المفسرون: نزلت في بعض الأعراب الجفاة الذين كانوا ينادون رسول الله باسمه، ولا يعرفون توقير الرسول الكريم ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ أي خشية أن تبطل أعمالكم من حيث لا تشعرون ولا تدرون، فإن في رفع الصوت والجهر بالكلام في حضرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ استخفافاً قد يؤدي إلى الكفر المحبط للعمل قال ابن كثير: روي
«أن ثابت بن قيس كان رفيع الصوت، فلما نزلت الآية قال: أنا الذي كنتُ أرفع صوتي على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزيناً، فافتقده رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقَّدك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما لك؟ فقال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حبط عملي أنا من أهل النار، فأتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأخبروه بما قال، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: لا بل هو من أهل الجنة» وفي رواية «أترضى أن تعيش حميداً، وتقتل شهيداً، وتدخل الجنة؟ فقال: رضيتُ ببشرى الله تعالى ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولا أرفع صوتي أبداً على صوت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ» ﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ أي إن الذين يخفضون أصواتهم في حضرة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أولئك الذين أخلص الله قلوبهم للتقوى ومرَّنها عليها وجعلها صفة راسخةً راسخة فيها قال ابن كثير: أي أخلصها للتقوى وجعلها أهلا ومحلاً ﴿الَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي لهم في الآخرة صفحٌ عن ذنوبهم، وثواب عظيم في جنات النعيم.. ثم ذمَّ تعالى الأعراب الجفاة الذين ما كانوا يتأدبون في ندائهم للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال: ﴿إِنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات﴾ أي يدعونك من وراء الحجرات، منازل أزواجك الطاهرات ﴿أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي أكثر هؤلاء غير عقلاء، إذ العقل يقتضي حسن الأب، ومراعاة العظماء عند خطابهم، سيّما لمن كان بهذا المنصب الخطير قال البيضاوي: قيل إِن الذي ناداه «عُيينة بن حُصين» و «الأقرع بن حابس» وفدا على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في سبعين رجلاً من بني تميم وقت الظهيرة وهو راقد فقالا يا محمد أخرج إلينا ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ أي ولو أنَّ هؤلاء المنادين لم يزعجوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بمناداتهم وصبروا حتى يخرج إليهم لكان ذلك الصبر خيراً لهم وأفضل عند الله وعند الناس، لما فيه من مراعاة الأدب في مقام النبوة ﴿والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي الغفور لذنوب العباد، الرحيم بالمؤمنين حيث اقتصر على نصحهم وتقريعهم، ولم يُنزل العقاب بهم.
. ثم حذَّر تعالى من الاستماع للأخبار بغير تثبت فقال ﴿ياأيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ أي إِذا أتاكم رجل فاسق غير موثوق بصدقه وعدالته بخبر من الأخبار ﴿فتبينوا﴾ أي فتثبتوا من صحة الخبر ﴿أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ أي لئلا تصيبوا قوماً وأنتم جاهلون حقيقة الامر ﴿فَتُصْبِحُواْ على مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ أي فتصيروا نادمين أشد الندم على صنيعكم ﴿واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله﴾ أي واعلموا أيها المؤمنون أنَّ بينكم الرسول المعظَّم، والنبيُّ المكرم، المعصوم عن اتباع الهوى {لَوْ يُطِيعُكُمْ


الصفحة التالية
Icon