في حسنها، وذلك بعد ما كانت لا نبات بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت، فكما أحيا الله الأرض الميتة كذلك يحيي الله الموتى.. ثم ذكَّر تعالى كفار مكة بما حلَّ بمن سبقهم من المكذبين إنذاراً لهم وإِعذاراً فقال ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ أي كذَّب قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ﴿وَأَصْحَابُ الرس﴾ أي وأصحاب البئر وهم بقية من ثمود رسُّوا نبيَّهم فيها أي دسُّوة فيها ﴿وَثَمُودُ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ﴾ سمَّاهم إِخوانه لأنه صاهرهم وتزوج منهم ﴿وَأَصْحَابُ الأيكة﴾ أي وأصحاب الشجر الكثير الملتف وهم قوم شعيب، نُسبوا إِلى الأيكه لأنهم كانت تحيط به البساتين والأشجار الكثيرة، الملتف بعضُها على بعض ﴿وَقَوْمُ تُّبَّعٍ﴾ قال المفسرون: هو ملكٌ كان باليمن أسم ودعا قومه إلى الإِسلام فكذبوه وهو تُبَّع اليماني ﴿كُلٌّ كَذَّبَ الرسل﴾ أي جميع هؤلاء المذكورين كذبوا رسلهم قال ابن كثير: وإشنما جمع الرسل لأن من كذب رسولاً فإِنما كذب جميع الرسل كقوله تعالى
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المرسلين﴾ [الشعرا: ١٠٥] ﴿فَحَقَّ وَعِيدِ﴾ أي فوجب عليهم وعيدي وعقابي، والآية تسليةٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديد للكفرة المجرمين ﴿أَفَعَيِينَا بالخلق الأول﴾ أي أفعجزنا عن ابتداء الخلق حتى نعجز عن إعادتهم بعد الموت؟ قال القرطبي: وهو توبيخٌ لمنكري البعث، وجوابٌ لقولهم ﴿ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾ ومراده أن ابتداء الخلق لم يعجزنا، والإِعادةُ أسهلُ منه فكيف يُتوهم عجزنا عن البعث والإِعادة ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ أي بل هم في خلطٍ وشبهةٍ وحيرة من البعث والنشور قال الألوسي: وإِنما نكَّشر الخلق وصف بجديد، ولم يقل: من الخلق الثاني تنبيهاً على استبعاهدم له وأنه خلق عظيم يجب أن يهتم بشأنه فله نبأ عظيم ثم نبه تعالى على سعة علمه وكما قدرته فقال ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ أي خلقنا جنس الإِنسان ونعلم ما يجول في قلبه وخاطره، لا يخفى علينا شيء من خفايا ونواياه ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد﴾ أي ونحن أقرب إِليه من حبل وريده، وهو عرق كبير في العنق متصل بالقلب قال أبو حيان: ونحن أقرب إِليه قرب علم، نعلم به وبأحواله لا يخفى علينا شيء من خفياته، فكأن ذاته تعالى قريبة منه، وهو تمثيل لفرط القرب كقول العارب: هو مني معقد الإِزار وقال ابن كثير: المراد ملائكتنا أقرب إلى الإِنسان من حبل وريده إليه، والحلول والاتحاد منفيان بالإِجماع تعالى الله تقدَّس، وهذا كما قال في المحتضر ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ ولكن لاَّ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة: ٨٥] يريد به الملائكة، ويدل عليه قوله بعده ﴿إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ أي حين يتلقى الملكان الموكلان بالإِنسان، ملك عن يمينه يكتب الحسنات، وملك عن شماله يكتب السيئات، وفي الكلام حذفٌ تقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال مجاهد: وكذَل الله بالإِنسان مع علمه بأحواله ملكين بالليل وملكين بالنهار يحفظان عمله ويكتبان أثره إِلزاماً للحجة، أحدهما عن يمينه يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات فذلك قوله تعالى {


الصفحة التالية
Icon