عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} وقال الأولسي: والمراد أنه سبحانه أعلم بحال الإِنسان من كل رقيب، حين يتلقى المتلقليان الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إِيذانٌ بأنه وعَزَّ وَجَلَّ غنيٌّ عن استحفاظ الملكين، فإِنه تعالى أعلم منهما ومطَّلع على ما يخفى عليهما، لكنْ الحكمة اقتضت كتابة الملكين لعرض صحائفهما يوم يقوم الأشهاد، فإِذا علم العبد ذلك مع علمه بإِحاطة الله تعالى بعلمه ازداد رغبةٌ في الحسنات، وانتهاءً عن السيئات ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ﴾ أي ما يتلفظ كلمةٌ من خيرٍ أو شر، إِلا وعنده ملك يرقب قوله ويكتبه ﴿عَتِيدٌ﴾ أي حاضر معه أينما كان مهيأٌ لكتابة ما أُمر به قال ابن عباس: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر وقال الحسن: فإِذا مات ابن آدم طويت صحيفته وقيل له يوم القيامة
﴿اقرأ كتابك كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإِسراء: ١٤] ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ﴾ أي وجاءت غمرة الموت وشدته التي تغشى الإِنسان وتغلب على عقله، بالأمر الحق من أهوال الآخرة حتى يراها المكر لها عياناً ﴿ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ أي ذلك ما كنت تفر منه وتميل عنه وتهرب منه وتفزع وفي الحديث عن عائشة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لمّا تغشاه الموت جعل يمسح العرف عو وجهه ويقول: «سبحان الله إنَّ للموت لسكرات» ﴿وَنُفِخَ فِي الصور ذَلِكَ يَوْمُ الوعيد﴾ أي ونفخ في الصور نفخة البعث ذلك هو اليوم الذي وعد الله الكفار به بالعذاب ﴿وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ﴾ أي وجاء كل إِنسان براً كان أو فاجراً ومعه ملكان: أحدهما يسوقه إِلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله قال ابن عباس: السائق من الملائكة، والشهيد من أنفسهم وهي الأَيدي والأرجل ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] وقال مجاهد: السائق والشيهد ملكان، ملكٌ يسوقه وملك يشهد عليه ﴿لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هذا﴾ أي لقد كنت أيها الإِنسان في غفلةٍ من هذا اليوم العصيب ﴿فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ﴾ أي فأزلنا عنك الحجاب الذي كان على قلبك وسمعك وبصرك في الدنيا ﴿فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ﴾ أي فصرَك اليوم قويٌّ نافذ، ترى به ما كان محجوباً لزوال الموانع بالكلية.