هو الذي أطغاني فيقول قرينه: ربنا ما أطغيتُه بل كان هو نفسه ضالاً معانداً للحق فأعنته عليه ﴿قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد﴾ أي فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ للكافرين وقرنائهم من الشياطين: لا تتخاصموا هنا فما ينفع الخصام ولا الجدال، وقد سبق أن أنذرتكم على ألسنة الرسل بعذابي، وحذرتكم شديد عقابي، فلم تنفعكم الآياتُ والنُّذر ﴿مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ﴾ أي ما يُغيَّر كلامي، ولا يُبدَّل حكمي بعقاب الكفرة المجرمين قال المفسرون: المراد وعدُه تعالى بعذاب الكافر وتخليده في النار بقوله تعالى ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩] ﴿وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ أي ولست ظالماً حتى أعذب أحداً بدون استحقاق، وأعاقبه بدون جرم ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ﴾ ؟ أي اذكر ذلك اليوم الرهيب يوم يقول الله تعالى لجهنم هل امتلأت، وتقول هل هناك من زيادة؟ وفي الحديث «لا تزال جهنم يُلقى فيها وتقول هل من مزيد، حتى يضع ربٌّ العزة فيها قدمه، فتقول: قَطْ قَطْ وعزتك وكرمك أي قد اكتفيتُ وينزوي بعضُها إلى بعض» والظاهر أن السؤال والجواب على حقيقتهما، والله على كل شيء قدير، فإِن إِنطاق الجماد والشجر والحجر جائز عقلاً، وحاصلٌ شرعاً، وقد أخبر القرآن الكريم أنَّ نملة تكلمت، وأن كل شيء يسبح بحمد الله، وورد في صحيح مسلم أن المسلمين في آخر الزمان يقاتلون اليهود، حتى يختبىء اليهود وراء الشجر والحجر، فينطق الله الشجر والحجر.
. الخ وقيل: إن الآية على التمثيل وأنها تصويرٌ لسعة جهنم وتباعد أقطارها بحيث لو ألقى فيها جميع الكفرة والمجرمين فإِنها تتسع لهم، وهو كقولهم «قال الحائط للمسمار لم تشفني؟ قال: سلْ منْ يدقني» ثم أخبر تعالى عن حال السعداء بعد أن ذكر حال الأشقياء فقال ﴿وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ أي قُرّبت وأدنيت الجنة من المؤمنين المتقين مكاناً غير بعيد، بحيث تكون بمرأى منهم مبالغة في إِكرامهم ﴿هذا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ﴾ أي يقال لهم: هذا الذي ترونه من النعيم هو ما وعده الله لكل عبدٍ أوَّاب أي رجَّاعٍ إلى الله، حافظٍ لعهده وأمره ﴿مَّنْ خَشِيَ الرحمن بالغيب وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ أي خاف الرحمن فأطاعه دون أن يراه لقوة يقينه، وجاء بقلبٍ تائب خاضع خاشع ﴿ادخلوها بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخلود﴾ أي يقال لهم: أدخلوا الجننة بسلامة من العذاب والهموم والأكدار، ذلك هو يوم البقاء الذي لا انتهاء له أبداً، لأنه لا موت في الجنة ولا فناء ﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا﴾ أي لهم في الجنة من كل ما تشتهيه أنفسهم، وتلذ به أعينهم ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾ أي وعندنا زيادة على ذلك الإِنعام والإِكرام، وهو النظر إلى وجه الله الكريم.. ثمَّ خوَّف تعالى كفار مكة بما حدث للمكذبين قبلهم فقال ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ﴾ أي وأهلكنا قبل كفار قريش أمماً كثيرين من الكفار المجرمين ﴿هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً﴾