أي هم أقوى من كفار قريش قوة، وأعظم منهم فتكاً وبطشاً ﴿فَنَقَّبُواْ فِي البلاد هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾ أي فساروا في البلاد، وطوَّفوا فيها وجالوا في أقطارها، فهل كان لهم من الموت مهرب؟ وهل كان لهم من عذاب الله مخلص؟ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ أي إن فيما ذُكر من إهلاك القرى الظالمة، لتذكره وموعظة لمن كان له عقل يتدبر به، أو أصغى إلى الموعظة وهو حاضر القلب ليتذكر ويعتبر قال سفيان: لا يكون حاضراً وقلبه غائب وقال الضحاك: العرب تقول: ألقى فلان سمعه إِذا استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب، وعبَّر عن العقل بالقلب لأن موضعه كما قال تعالى ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور﴾ ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾ هذه الآية ردٌّ على اليهود حيث زعموا أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، أوَّلُها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة وأنه تعب فاستراح يوم السبت واستلقى على ظهره فوق العرش، فكذبهم الله تعالى والمعنى والله خلق السموات السبع في ارتفاعها وعظمتها، والأرض في كثافتها وسعتها، وما بنيهما من المخلوقات البديعة في ستة أيام، وما مسَّنا من إِعياء وتعب ﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ أي فاصبرْ يا محمد على ما يقوله اليهود وغيرهم من كفار قريش، واهجرهم هجراً جميلاً ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب﴾ أي ونزِّه ربك عما لا يليق به، وصلِّ له واعبدْه وقتي الفجر والعصر، وخصَّهما بالذكر لزيادة فضلهما وشرفهما ﴿وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السجود﴾ أي ومن الليل فصلِّ للهِ تهجداً وأعقاب الصلوات المفروضة قال ابن كثير: كانت الصلاة المفروضة قبل الإِسراء ثنتان قبل طلوع الشمس، وثنتان قبل الغروب، وكان قيام الليل واجباً على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وعلى أُمته حولاً ثم نسخ في حق الأمة وجوبه، ثم بعد ذلك نسخ كل ذلك ليلة الإِسراء بخمس صلواتٍ، وبقي منهم صلاة الصبح والعصر فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ﴿واستمع يَوْمَ يُنَادِ المناد مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ﴾ أي واستمع يا محمد النداء والصوت حين ينادي إِسرافيل بالحشر من موضع قريب يصل صوته إلى الكل على السواء قال أبو السعود: وفيه تهويلٌ وتفظيع لشأن المخبر به، والمنادي هو إِسرافيل عليه السلام يقول: أيتها العظام البالية، والأوصال والمتقطعة، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة، إِن الله يأمركنَّ أن تجتمعن لفصل القضاء ﴿يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة بالحق﴾ أي يسمعون صيحة البعث التي تأتي بالحقِّ وهي النفخة الثانية في الصور ﴿ذَلِكَ يَوْمُ الخروج﴾ ذلك هو يوم الخروج من القبور ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المصير﴾ أي نُحيي الخلائق ونميتُهم في الدنيا، وإلينا رجوعهم للجزاء في الآخرة، لا إِلى غيرنا ﴿يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعاً﴾ أي يوم تنشقُّ الأرضُ عنهم فيخرجون من القبور مسرعين إِلى موقف الحساب استجابةً لنداء المنادي ﴿ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ﴾ أي ذلك جمع وبعث سهلٌ هيّنٌ علينا لا يحتاج إِلى عناء ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ﴾ أي نحن أعلم بما يقول كفار قريش من إِنكار البعث والسخرية والاستهزاء بك وبرسالتك، وفيه تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتهديدٌ لهم {


الصفحة التالية
Icon