كانت الريح التي أرسلها الله عليهم ريحاً صرصراً عاتية، استمرت عليهم ثمانية أثام متتابعة، فكانت تهدم البنيان وتنتزع الرجال فترفعهم إلى السماء حتى يرى الواحد منهم كالطير ثم ترمي به إلى الأرض جثة هامدة
﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧].. ثم أخبر تعالى عن هلاك ثمود فقال ﴿وَفِي ثَمُودَ﴾ أي وجعلنا ثمود أيضاً آية وعبرة ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ﴾ أي حين قيل لهم عيشوا متمتعين بالدنيا إلى وقت الهلاك بعد عقرهم للناقة، وهو ثلاثة أيام كما في هود ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ [هود: ٦٥] ﴿فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ أي فاستكبروا عن امتثال أمر الله، وعصوا رسولهم فعقروا الناقة ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة﴾ أي فأخذتهم الصيحة المهلكة صيحة العذاب ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ أي وهم يشاهدونها ويعاينونها لأنها جاءت في وضح النهار قال ابن كثير: وذلك أنهم انتظروا العذاب ثلاثة أيام فجاءهم في صبيحة اليوم الرابع بكرة النهار وقال الألوسي: إِن صالحاً عليه السلام وعندهم ب الهلاك بعد ثلاثة أيام وقال لهم: تصبح وجوهكم غداً مصفرة، وبعد غد محمرة، وفي اليوم الثالث مسودَّة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا الآيات التي بينها عليه السلام عمدوا إلى قتله فنجاه الله، وفي اليوم الرابع أتتهم الصاعقة وهي نار من السماء وقيل صيحة فهلكوا ﴿فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ﴾ أي ما قدروا على الهرب والنهوض من شدة الصيحة، بل أصبحوا في ديارهم جاثمين ﴿وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ﴾ أي وما كانوا ممن ينتصر لنفسه فيدفع عنها العذاب.. ثم أخبر تعالى عن هلاك قوم نوح فقال: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ﴾ أي وأهلكنا قوم نوحٍ بالطوفان من قبل إِهلاك هؤلاء المذكورين ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ تعليلٌ للهلاك أي لأنهم كانوا فسقةً خارجين عن طاعة الرحمن بارتكابهم الكفر والعصيان.. ولما انتهى من أخبار هلاك الأمم الطاغية المكذبة، شرع في بيان دلال القدرة والوحدانية فقال ﴿والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ﴾ أي وشيدنا السماء وأحكمنا خلقها بقوةٍ وقدرة قال ابن عباس: ﴿بِأَيْدٍ﴾ بقوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ أي وإِنا لموسعون في خلق السماء، فإِن الأرض وما يحيط بها من الهواء والماء بالنسبة لها كحلقة صغيرة في فلاة كما ورد في الأحاديث وقال ابن عباس: ﴿لَمُوسِعُونَ﴾ أي لقادرون، من الوسع بمعنى الطاقة ﴿والأرض فَرَشْنَاهَا﴾ أي والأرض مهدناها لتسقروا عليها، وبسطناها لكم ومددنا فيها لتنتفعوا بها بالطرقات وأنواع المزروعات، ولا ينافي ذلك كرويتها، فذلك أمرٌ مقطوع به، فإنها مع كرويتها واسعة ممتدة، فيها السهول الفسيحة، والبقاع الواسعة، مع الجبال والهضاب ولهذا قال تعالى ﴿فَنِعْمَ الماهدون﴾ أي فنعم الباسطون الموسعون لها نحن، وصيغة الجمع للتعظيم ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ أي ومن كل شيء خلقنا صنفين ونوعين مختلفين ذكراً وأنثى، وحلواً وحامضاً ونحو ذلك ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي كي


الصفحة التالية
Icon