شاعر ننتظر به حوادث الدهر وصروفه حتى يهلك فنستريح منه؟ قال الخازن: وريبُ المنون حوادث الدهر وصروفه، وغرضهم أنه يهلك ويموت كما هلك من كان قبله من الشعراء، والمنون اسم الموت وللدهر وأصله القطع، سيما بذلك لأنهما يقطعان الأجل ﴿قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين﴾ أي قل لهم يا محمد: انتظروا بي الموت فإِني منتظر هلاككم كما تنتظرون هلاكي، وهو تهكم بهم مع التهديد والوعدي ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ﴾ ؟ أي أم تأمرهم عقولهم بهذا الكذب والبهتان؟ قال الخازن: وذلك أن عظماء قريش كانوا يوصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل، وهو تهكم آخر بالمشركين ﴿أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ أي بل هم قوم مجاوزون الحد في الكفر والطغيان، والمكابرة والعناد ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ﴾ أي أم يقولون إن محمداً اختلق القرآن وافتراه من عند نفسه قال القرطبي: والتقوُّل تكلف القول، وإنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر، يقال: قوَّلتني ما لم أقل أي أدعيته عليَّ، وتقوَّل عليه أي كذب عليه ﴿بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ أي ليس الأمر كما زعموا بل لا يصدقون بالقرآن استكباراً وعناداً ثم ألزمهم تعالى الحجة فقال ﴿فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ﴾ أي فليأتوا بكلامٍ مماثلٍ للقرآن في نظمه وحسنه وبيانه، إن كانوا صادقين في قولهم إن محمداً افتراه، وهو تعجيزٌ لهم مع التوبيخ ﴿أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ﴾ أي هل خُلقوا من غير ربٍ ولا خالق؟ قال ابن عباس: من غير ربٍ خلقهم وقدَّرهم ﴿أَمْ هُمُ الخالقون﴾ أي أم هم الخالقون لأنفسهم، حتى تجرءوا فأنكروا وجود الله جل وعلا؟ ﴿أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض﴾ أي أم هم خلقوا السموات والأرض؟ وإِنما خصَّ السمواتِ والأرض بالذكر من بين سائر المخلوقات لعظمها وشرفها، ثم بيَّن تعالى السبب في إِنكارهم لوحدانية اله فقال ﴿بَل لاَّ يُوقِنُونَ﴾ أي بل لا يصدقون ولا يؤمنون بوحدانية الله وقدرته على البعث ولذلك ينكرون الخالق قال الخازن: ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن له خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، وليْعبدوه، ولْيوقنوا أنه ربهم وخالقهم ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ﴾ ؟ أي أعندهم خزائن رزق الله ورمته حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمن شاءوا؟ قال ابن عباس: ﴿خَزَآئِنُ رَبِّكَ﴾ المطر والرزقُ وقال عكرمة: النبوة ﴿أَمْ هُمُ المصيطرون﴾ ؟ أي أم هم الغالبون القاهرون حتى يتصرفوا في الخلق كما يشاءون؟ لا بل الله عَزَّ وَجَلَّ هو الخالق المالك المتصرف وقال عطاء ﴿أَمْ هُمُ المصيطرون﴾ أم هم الأرباب فيفعلون ما يشاءون ولا يكونون تحت امر ولا نهي؟ ﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ ؟ أي أم لهم مرقى ومصعد


الصفحة التالية
Icon