يرَ الله كما قال البعض، ووجهه أن الله ختم قصة المعراج برؤية الآيات، وقال في الإِسراء ﴿لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ﴾ [الإِسراء: ١] ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظم ما يمكن ولأخبر تعالى به ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللات والعزى وَمَنَاةَ الثالثة الأخرى﴾ أي أخبرونا يا معشر الكفار عن هذه الآلهة التي تعبدونها «اللات والعزة ومناة» هل لها من القدرة والعظمة التي وُصف بها رب العزة شيء حتى زعم أنها آلهة؟ قال الخازن: هذه أسماء أصنام اتخذوها آهلة يعبدونها، واشتقوا لها أسماء من أسماء الله عَزَّ وَجَلَّ فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العُزَّى، وكانت اللات بالطائف، والعُزَّى بغطفان وقد حطمها خالد بن الوليد، ومناة صنم لخزاعة يعبده أهل مكة ﴿أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى﴾ ؟ توبيخٌ وتقريع أي ألكم يا معشر المشركين النوع المحبوب من الأولاد وهو الذكر، وله تعالى النوع المذموم بزعمكم وهو الأنثى؟ ﴿تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى﴾ أي تلك القسمة قسمة جائزة غير عادلة حيث جعلتم لربكم ما تكرهونه لأنفسكم قال الرازي: إنهم ما قالوا لنا البنون وله البنات، وإنما نسبوا إلى الله البنات وكانوا يكرهونهن كما قال تعالى ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ [النحل: ٦٢] فلما نسبوا إلى الله البنات حصل من تلك النسبة قسمة جائرة ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم﴾ أي ما هذه الأوثان إِلا أسماء مجردة لا معنى تحتها لأنها لا تضر ولا تنفع، سميتموها آلهة أنتم وآباؤكم وهي مجرد تسميات ألقيت على جمادات ﴿مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾ أي ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الأنفس﴾ أي ما يتبعون في عبادتها إلا الظنون والأوهام، وما تشتهيه أنفسهم مما زينه لهم الشيطان ﴿وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى﴾ أي والحال أنه قد جاءهم من ربهم البيان الساطع، والبرهان القاطع على أن الأصنام ليست بآلهة، وأن العبادة لا تصلح إِلا لله الواحد القهار قال ابن الجوزي: وفيه تعجيبٌ من حالهم إذ لم يتركوا عبادتها بعد وضوح البيان ﴿أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى﴾ أي ليس للإِنسان كل ما يشتهي حتى يطمع في شفاعة الأصنام قال الصاوي: والمراد بالإِنسان الكافر، وهذه الآية تجر بذيلها على من يلتجىء لغير الله طلباً للفاني، ويتبع هوى نفسه فيما تطلبه فليس له ما يشتهي، واتباعُ الهوى هوان ﴿فَلِلَّهِ الآخرة والأولى﴾ أي فالملك كله لله يعطي من يشاء ويمنعم من يشاء، لأنه مالك الدنيا والآخرة، وليس الأمر كما يشتهي الإنسان، بل هو تعالى يعطي من اتبع هداه وترك هواه.
. ثم أكَّد هذا المعنى بقوله ﴿وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات﴾ أي وكثير من الملائكة الأبرار الأطهار المنبثين في السموات ﴿لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً﴾ أي أن الملائكة مع علو منزلتهم ورفعة شأنهم لا تنفع شفاعتهم أحداً إلا بإِذن الله، فكيف تشفع الأصنام مع حقارتها؟! ﴿إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى﴾ أي إِلا من بعد أن يأذن تعالى في الشفاعة لمن يشاء من أهل التوحيد والإِيمان ويرضى عنه كقوله تعالى: ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾ [الأنبياء: ٢٨] قال ابن كثير: فإِذا كان هذا في حق الملائكة المقربين، فكيف ترجون أيها الجاهلون شفاعة الأصنام والأنداد عند الله تعالى؟ ثم أخبر تعالى عن ضلالات المشركين فقال ﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة﴾ أي


الصفحة التالية
Icon