لا يصدقون بالبعث والحساب ﴿لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الأنثى﴾ أي ليزعمون أنهم إناثٌ وأنهم بناتُ الله ﴿وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي لا علم لهم بما يقولون أصلا، لأنهم لم يشاهدوا خلق الملائكة، ولا جاءهم عن الله حجة أو برهان ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن﴾ أي ما يتبعون في هذه الأقوال الباطلة إلا الظنون والأوهام ﴿وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً﴾ أي وإِن الظنَّ لا يجدي شيئاً، ولا يقوم أبداً مقام الحق ﴿فَأَعْرِضْ عَن مَّن تولى عَن ذِكْرِنَا﴾ أي فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين الذين استنكفوا عن الإِيمان والقرآن ﴿وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الحياة الدنيا﴾ أي وليس له همٌ إلا الدنيا وما فيها من النعليم الزائل، والمتعة الفانية قال أبو السعود: والمراد النهيُّ عن دعوة المعرض عن كلام الله وعدم الاعتناء بشأنه، فإن من أعرض عما ذكر، وانهمك في الدنيا بحيث صارت منتهى همته وقاصرى سعيه، لا تزيده الدعوة إِلا عناداً وإِصراراً على الباطل ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ العلم﴾ أي ذلك نهاية علمهم وغاية إدراكهم أن آثروا الدنيا على الآخرة ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهتدى﴾ أي هو عالم بالفريقين: الضالين والمهتدين ويجازيهم بأعمالهم ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي له كل ما في الكون خلقاً وملكاً وتصرفاً ليس لأحدٍ من ذلك شيء أصلاً ﴿لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ﴾ أي ليجازي المسيء بإساءته ﴿وَيِجْزِيَ الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى﴾ أي وليجازي المحسن بالجنة جزاء إحسانه قال ابن الجوزي: والآية إِخبارٌ عن قدرته وسعة ملكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله ﴿لِيَجْزِيَ الذين أَسَاءُواْ﴾ لأنه إِذا كان أعلم بالمسيء وبالمحسن جازى كلاً بما يستحقه، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك.
. ثم ذكر تعالى صفات المتقين المحسنين فقال ﴿الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم﴾ أي يبتعدون عن كبائر الذنوب كالشرك والقتل وأكل مال اليتيم ﴿والفواحش﴾ أي ويبتعدون عن الفواحش جمع فاحشة وهي ما تناهى قبحها عقلاً وشرعاً كالزنى ونكاح زوجة الأب لقوله تعالى ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإِسراء: ٣٢] وقوله ﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ [النساء: ٢٢] ﴿إِلاَّ اللمم﴾ أي إلا ما قلَّ وصغر من الذنوب قال القرطبي: وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله كالقبلة والغمزة والنظرة وفي الحديث «إن الله عَزَّ وَجَلَّ كتب على ابن آدم حظه من الزنى، أدرك ذلك لا محالة، فزنى العينين النظر، وزنى اللسان النطقُ، والنفسُ تتمنى وتشتهي، والفرج يصدِّق ذلك أو يكذبه» فإذا اجتنب العبد كبائر الذنوب غفر الله بفضله وكرمه الصغائر لقوله تعالى ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ [النساء: ٣١] يعني الصغائر ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة﴾ أي هو تعالى غفار الذنوب ستار العيوب، يغفر لمن فعل ذلك ثم تاب قال ابن كثير: أي رحمته وسعت كل شيء، ومغفرته تسع الذنوب كلها لمن تاب