منها قال البيضاوي: ولعله عقَّب به وعيد المسيئين ووعد المحسنين، لئلا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته، ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ الأرض﴾ أي هو جل وعلا أعلم بأحوالكم منكم قبل أن يخلقكم، ومن حين أن خلق أباكم آدم من التراب ﴿وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ أي ومن حين أن كنتم مستترين في أرحام أُمهاتكم، فهو تعالى يعلم التقيَّ والشقي، والمؤمن والكافر، والبرِّ والفاجر، علم ما تفعلون وإلى ماذا تصيرون ﴿فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ﴾ أي لا تمدحوها على سبيل الإِعجاب، ولا تشهدوا لها بالكمال والتقى، فإن النفس خسيسة إِذا مُدحت اغترت وتكبَّرت قال أبو حيان: أي لا تنسبوها إِلى الطهارة عن المعاصي، ولا تثنوا عليها، فقد علم الله منكم الزكيَّ والتقي قبل إخراجكم من صلب آدم، وقبل إخراجكم من بطون أُمهاتكم ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتقى﴾ أي هو تعالى العالم بمن أخلص العمل، واتقى ربه في السر والعلن.
المنَاسَبَة: لما ذكر تعالى في الآيات السابقة سفاهات المشركين وضلالاتهم في عبادتهم للأصنام، وميَّز بين المؤمنين والمجرمين، ذكر هنا نوعاً خاصاً من أهل الإِجرام، وختم السورة الكريمة ببيان ما حلَّ بالمكذبين من أنواع العذاب والدمار، تذكيراً للمشركين بانتقام الله من أعدائه المكذبين لرسوله.
اللغَة: ﴿وأكدى﴾ قطع العطاء مأخوذ من الكُدية يقال لمن حفر بئراً ثم وجد صخرة تمنعه من إتمام الحفر قد أكدى، ثم استعمله العرب لمن أعطى ولم يتمم، ولمن طلب شيئاً فلم يبلغ آخره قال الحطيئة: