فأعطى قليلاً ثم أكدى عطاءه ومن يبذل المعروف في الناس يُحمد
﴿وأقنى﴾ أعطاه الكفاية من المال ورضَّاه بما أعطاه قال الجوهري: قني الرجل يقنى مثل غني يغنى أي أعطاه الله ما يُقتنى من المال والنشب، وأقناه الله رضَّاه ﴿الشعرى﴾ الكوكب المضيء الذي يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر ﴿أَزِفَتِ﴾ قربت قال كعب بن زهير:
بان الشباب وهذا الشيبُ قد أزفا ولا أرى لشبابٍ بائنٍ خلفا
والآزفة القيامة سيمت بذلك لقربها ودونها ﴿سَامِدُونَ﴾ لاهون ولاعبون، والسمودُ اللهو.
سَبَبُ النّزول: روي أن «الوليد بن المغيرة» جلس عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وسمع وعظه، فتأثر قلبه بما سمع وكاد أن يُسلم، فعيَّره رجلٌ من المشركين وقال: تركت دين آبائك وضلَّلتهم وزعمت أنهم في النار؟! فقال الوليد: إِني خشيتٌ عذاب الله، فضمن له الرجل إِن هو أعطاه شيئاً من ماله، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله عَزَّ وَجَلَّ، فأعطاه بعض الذي ضمن له ثم بخل ومنعه الباقي فأنزل الله ﴿أَفَرَأَيْتَ الذي تولى وأعطى قَلِيلاً وأكدى﴾ الآيات.
التفسِير: ﴿أَفَرَأَيْتَ الذي تولى﴾ أي أخبرني يا محمد عن هذا الفاجر الأثيم الذي أعرض عن الإِيمان واتباع الهوى؟ ﴿وأعطى قَلِيلاً وأكدى﴾ أي وأعطى لصاحبه الذي عيَّره قليلاً من المال المشروط ثم بخل بالباقي قال مجاهد: نزلت في الوليد بن المغيرة ﴿أَعِندَهُ عِلْمُ الغيب فَهُوَ يرى﴾ أي أعنده علمٌ بالأمور الغيبية حتى يعلم أن صاحبه يتحمل عنه العذاب؟ ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى﴾ أي لم يُخبر بما في التوراة المنزلة على موسى ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ أي وبما في صحف إبراهيم الذي تمَّم ما أُمر به من طاعة الله وتبليغ رسالته، على وجه الكمال والتمام قال الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفّى به كقوله تعالى ﴿وَإِذِ ابتلى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ [البقرة: ١٢٤] ﴿أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ أي أن لا تحمل نفسٌ ذنب غيرها، ولا يؤاخذ أحدٌ بجريرة غيره، والآية ردٌّ على من زعم أنه يتحمل العذاب عن غيره كقوله تعالى ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾
[العنكبوت: ١٢] ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى﴾ أي وأنه ليس للإِنسان إلا عمله وسعيه قال ابن كثير: أي كما لا يُحمل عليه وزرُ غيره، كذلك لا يحصل له الأجر إِلا ما كسب هو لنفسه ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى﴾ أي وأن عمله سيُعرض عليه يوم القيامة، ويراه في ميزانه قال الخازن: وفي الآية بشارة للمؤمن، وذلك أن الله تعالى يريه أعماله الصالحة ليفرح بها ويحزن الكافر بأعماله الفاسدة فيزداد غماً ﴿ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى﴾ أي ثم يُجزى بعمله الجزاء الأتم الأكمل، وهو وعيدٌ للكافر ووعدٌ للمؤمن ﴿وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى﴾ إي إليه جل وعلا المرجع والمآب والمصير فيعاقب ويثيب.. ثم شرع تعالى في بيان آثار قدرته فقال ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى﴾ أي هو الذي


الصفحة التالية
Icon