خلق الفرح والحزن، والسرور والغم، فأضحك في الدنيا من أضحك، وأبكى من أبكى قال مجاهد: أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ أي خلق الموت والحياة فهو جل وعلا القادر على الإِماتة والإِحياء لا غيره، ولهذا كرر الإِسناد «هو» لبيان أن هذا من خصائص فعل الله ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى﴾ أي أوجد الصنفين الذكر والأنثى من أولاد آدم ومن كل حيوان قال الخازن: والغرض أنه تعالى هو القادر على إيجاد الضدين في محل واحد: الضحك والبكاء، والإِحياء والإِماتة، والذكر والأنثى، وهذا شيء لا يصل إليه فهم العقلاء ولا يعلمونه، وإنما هو بقدرة الله تعالى وخلقه لا بفعل الطبيعة، وفيه تنبيه على كمال قدرته، لأن النطفة شيء واحد خلق خلق الله منها أعضاء مختلفة، وطباعاً متباينة، وخلق منها الذكر والأنثى، وهاذ من عجيب صنعته وكمال قدرته، ولهذا قال ﴿مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى﴾ أي خلق الذكر والأنثى من نطفة إذا تدفقت من صلب الرجل، وصُبّت في رحم المرأة ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى﴾ أي وأن عليه جل وعلا إِعادة خلق النَّاس للحساب والجزاء، وإِحياؤهم بعد موتهم قال في البحر: لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ فيها بقوله تعالى ﴿عَلَيْهِ﴾ كأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى﴾ أي أغنى من شاء، وأفقر من شاء وقال ابن عباس: أعطى فأرضى، أغنى الإِنسان ثم رضاه بما أعطاه ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى﴾ أي هو ربُّ الكوكب المضيء المسمَّى بالشعرى الذي كانوا يعبدونه قال أبو السعود: أي هو رب معبودهم وكانت خزاعة تعبدها سنَّ لهم ذلك رجلٌ من أشرافهم هو «أبو كبشة» ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى﴾ أي أهلك قوم عاد القدماء الذين بُعث لهم نبيُّ الله «هود» عليه السلام، وكانوا من أشد الناس وأقواهم، وأعتاهم على الله وأطغاهم، فأهلكهم الله بالريح الصرصر العاتية قال البيضاوي: سميت عاداً الأولى أي القدماء لأنهم أُولى الأمم هلاكاً بعد قوم نوح عليه السلام ﴿وَثَمُودَ فَمَآ أبقى﴾ أي وثمود دمَّرهم فلم يُبق منهم أحداً ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ﴾ أي وقوم نوح قبل عادٍ وثمود أهلكناهم ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى﴾ أي كانوا أظلم من الفريقين، وأشد تمدراً وطغياناً ممن سبقهم، قال في البحر: كانوا في غاية العتو والإِيذاء لنوح عليه السلام، يضربونه حتى لا يكاد يتحرك، ولا يتأثرون بشيء مما يدعوهم إليه قال قتادة: دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، كلما هلك قرن نشأ قرن، حتى كان الرجل يأخذ بيد ابنه يتمشى به إلى نوح ليحذره منه ويقول له: يا بني إن أبي مشى بي إلى هذا وأنا مثلك يومئذٍ فإِياك أن تصدقه، فيموت الكبير على الكفر، وينشأ الصغير على بغض نوح ﴿والمؤتفكة أهوى﴾ أي وقرى قوم لوط أهواها فأسقطها علىلأرض بعد أن انقلبت بهم فصار عاليها سافلها، وذلك أن جبريل رفعها إلى السماء ثم أهوى بها ﴿فَغَشَّاهَا مَا غشى﴾ أي فغطَّاها من فنون العذاب ما غطَّى، وفيه تهويلٌ للعذاب وتعميمٌ لما أصابهم منه قال في البحر: