عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: ١٠١] ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي فأعرض يا محمد عن هؤلاء المجرمين وانتظرهم ﴿يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ﴾ أي يوم يدعو إٍسرافيل إلى شيءٍ منكر فظيع، تنكره النفوس لشدته وهوله، وهو يوم القيامة وما فيه من البلاء والأهوال ﴿خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ﴾ أي ذليلةً أبصارهم لا يستطيعون رفعها من شدة الهول ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث﴾ أي يخرجون من القبور ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ أي كأنهم في انتشارهم وسرعة إِجابتهم للداعي جرادٌ منتشر في الآفاق، لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة قال ابن الجوزي: وإِنما شبههم بالجراد المنتشر، لأن الجراد لا جهة له يقصدها، فهم يخرجون من القبور فزعين ليس لأحدٍ منهم جهة يقصدها، والداعي هو إِسرافيل ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ أي مسرعين مادّي أعناقهم إِلأى الداعي لا يتلكئون ولا يتأخرون ﴿يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ أي يقول الكافرون هذا يوم صعبٌ شديد قال الخازن: وفيه إشارة إِلى أنَّ ذلك اليوم يومٌ شديد على الكفارين لا على المؤمنين كقوله تعالى ﴿عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ [المدثر: ١٠].. ثم ذكر تعالى وقائع الأمم المكذبين وما حلَّ بهم من العذاب والنكال تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تحذيراً لكفار مكة فقال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ أي كذب قبل قومك يا محمد قومُ نوح ﴿فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر﴾ أي فكذبوا عبدنا نوحاً وقالوا إِنه مجنون، وانتهروه وزجروه عن دعوى النبوة بالسب والتخويف والوعيد بقولهم
﴿لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين﴾ [الشعراء: ١١٦] قال في البحر: لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون أي أنه يقول ما لا يقبله عاقل وذلك مبالغة في تكذيبهم، وإنما قال ﴿عَبْدَنَا﴾ تشريفاً له وخصوصية بالعبودية ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر﴾ أي فدعا نوح ربه وقال يا ربّ إني ضعيف عن مقاومة هؤلاء المجرمين، فانتقم لي منهم وانتصر لدينك قال أبو حيان: وإنما دعا عليهم بعدما ئيس منهم وتفاقم أمرهم، وكان الواحد من قومه يخنقه إِلى أن يخر مغشياً عليه وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾ أي فأرسلنا المطر من السماء منصباً بقوة وغزارة قال أبو السعود: وهو تمثيلٌ لكثرة الامطار وشدة انصبابها ﴿وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً﴾ أي جعلنا الأرض كلها عيوناً متفجرة بالماء ﴿فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أي فالتقى ماء السماء وماء الأرض على حالٍ قد قدَّرها الله في الأزل وقضاها بإِهلاك المكذبين غرقاً قال قتادة: قضي عليهم في أم الكتاب إِذا كفروا أن يُغرقوا ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ أي وحملنا نوحاً على السفينة ذات الألواح الخشبية العريضة المشدودة بالمسامير قال في البحر: وذات الألواح والدُّسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليه السلام، ويفهم من هذين الوصفين أنها «السفينة» فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوبعنه ونحوه: قميصي مسرودة من حديد أي درع، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، ولو جمعت بين الصفة والموصوف لم يكن بالفصيح، والدُّسُر: المسامير ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ أي تسير على وجه الماء بحفظنا وكلاءتنا وتحت رعايتنا ﴿جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾ أي أغرقنا قوم نوح انتصاراً لعبدنا نوح لأنه كان قد كُذِّب وجُحد فضله قال الألوسي: أي فعلنا ذلك جزاء لنوح