لأنه كان نعمة أنعمها الله على قومه فكفروها، وكذلك كلُ نبيٍ نعمةٌ من الله تعالى على أمته ﴿وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً﴾ أي تركنا تلك الحادثة «الطوفان» عبرة ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي فهل من معتبر ومتعظ؟ ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ استفهام تهويل وتعجيب أي فكيف كان عذابي وإِنذاري لمن كذب رسلي، ولم يتعظ بآياتي؟ ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ﴾ أي والله لقد سهلنا القرآن للحفظ والتدبر والاتعاظ، لما اشتمل عليه من أنواع المواعظ والعبر ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ أي فهل من متعظٍ بمواعظه، معتبرٍ بقصصه وزواجره؟ مقال الخازن: وفيه الحث على تعليم القرآن والاشتغال به، لأنه قد يسره الله وسهله على من يشاء من عباده، بحيث يسهل حفظه للصغير والكبير، والعربي والعجمي قال سعيد بن جبير: يرسناه للحفظ والقراءة، وليس شيء من كُتب الله تعالى يُقرأ كلُّه ظاهراً إلا القرآن، وبالجملة فقد جعل الله القرآن مهيئاً ومسهلاً لمن أراد حفظه وفهمه أو الاتعاظ به، فهو رأس سعادة الدنيا والآخرة ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي كذبت عادٌ رسولهم هوداً فكيف كان إنذاري لهم بالعذاب؟ ثم شرع في بيان ما حلَّ بهم من العذاب الفظيع المدمر فقال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ أي أرسلنا عليهم ريحاً عاصفة باردة شديدة الهبوب والصوت قال ابن عباس: الصرصر: الشديدة البرد وقال السدي: الشديدة الصوت ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ أي في يومٍ مشئوم دائم الشؤم، استمر عليهم بشؤمه فلم يبق منهم أحدٌ إِلا هلك فيه قال ابن كثير: استمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي ﴿تَنزِعُ الناس﴾ أي تقلع الريح القوم ثم ترمي بهم على رؤسهم فتدقُّ رقابهم وتتركهم ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ أي كأنهم أُصول نخلٍ قد انقلعت من مغارسها وسقطت على الأرض، شبهوا بالنخل لطولهم وضخامة أجسامهم فتبقى أجسامهم بلا رءوس كعجز النخلة الملقاة على الأرض ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ تهويلٌ لما حلَّ بهم من العذاب وتعجبٌ من أمره أي كيف كان عذابي وإِنذاري لهم؟ ألم يكن هائلاً فظيعاً؟ ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ ؟ كرره للتنبيه على فضل الله على المؤمنين بتيسير حفظ القرآن أي ولقد سهلنا القرآن للحفظ والفهم، فهل من متعظٍ ومعتبر بزواجر القرآن؟ ثم أخبر تعالى عن قوم ثمود المكذبين لرسولهم صالح عليه السلام فقال ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بالنذر﴾ أي كذبت ثمود بالإِنذارات والمواعظ التي أنذرهم بها نبيهم صالح ﴿فقالوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ﴾ أي أنتَّبع إِنساناً مثلنا من آحاد الناس، ليس من الأشراف ولا العظماء، ونحن جماعة كثيرون؟ قال في البحر: قالوا ذلك حسداً منهم واستبعاداً أن يكون نوع البشر بفضل بعضُه بعضاً هذا الفصل، فقالوا: أنكون جمعاً ونتبع واحداً منا؟ ولم يعلموا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى على من رضيه {إِنَّآ إِذاً لَّفِي