بجواب واحد وهو قوله ﴿تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ ومعنى الآية: إِن كان الأمر كما تقولون أنه لا بعث ولا حساب، ولا إله يجازي، فهلاّ تردون نفس من يعزُّ عليكم إِذا بلغت الحلقوم؟ وإِذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر إِلى غيركم وهو الله تعالى فآمنوا به.. ثم ذكر تعالى طبقات الناس عند الموت وعند البعث، وبيَّن درجاتهم في الآخرة فقال ﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ أي فأما إِن كان هذا الميت من المحسنين السابقين بالدرجات العلا، فله عند ربه استراحة ورزق حسن وجنة واسعة يتنعم فيها قال القرطبي: والمراد بالمقربين السابقون المذكورون في أول السورة ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين﴾ أي وأما إِن كان المحتضر من السعداء أهل الجنة الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم ﴿فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ اليمين﴾ أي فسلامٌ لك يا محمد منهم، لأنهم في راحةٍ وسعادة ونعيم ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين﴾ أي وأما إِن كان المحتضر من المنكرين للبعث، الضالين عن الهدى والحق ﴿فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ أي فضيافتهم التي يُكرمون بها أول قدومهم، الحميمُ الذي يصهر البطون لشدة حرارته قال في التسهيل: النُزل أول شيءٍ يُقدم للضيف ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ أي ولهم إِصلاءٌ بنار جهنم وإِذاقة لهم من حرها ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين﴾ أي إن هذا الذي قصصناه عليك يا محمد من جزاء السابقين، والسعداء، والأشقياء لهو الحقُّ الثابت الذي لا شك فيه ولا ريب، وهو عين اليقين الذي لا يمكن إِنكاره ﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم﴾ أي فنزِّه ربك عن النقص والسوء، وعمَّا يصفه به الظالمون، لما نزلت هذه الآية الكريمة قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:
«اجعلوها في ركوعكم، ولما نزلت ﴿سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى﴾ [الأعلى: ١] قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: اجعلوها في سجودكم».
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - جناس الاشتقاق ﴿إِذَا وَقَعَتِ الواقعة﴾ [الواقعة: ١] والجناس الناقص في قوله ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾.
٢ - الطباق بين ﴿الميمنة.. والمشأمة﴾ وبين ﴿الأولين.. والآخرين﴾ وبين ﴿خَافِضَةٌ.. رَّافِعَةٌ﴾ وفي إِسناد الخفض والرفع إِلى القيامة مجاز عقلي، لأن الخافض والرافع على الحقيقة هو الله وحده، يرفع أولياءه ويخفض أعداءه، ونسب إِى القيامة مجازاً كقولهم «نهاره صائم».
٣ - التشبيه المرسل المجمل ﴿حُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون﴾ [الواقعة: ٢٢٢٣] أي كأمثال اللؤلؤ في بياضه وصفائه، حذف منه وجه الشبه فهو مرسل مجمل.
٤ - التفخيم والتعظيم ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ [الواقعة: ٢٧] كرره بطريق الاستفهام تفخيماً.
٥ - التفنن بذكر أصحاب الميمنة ثم بذكر أصحاب اليمين، وكذلك بذكر المشئمة وذكر أصحاب الشمال ﴿فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة﴾ [الواقعة: ٨] ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ [الواقعة: ٢٧].
٦ - تأكيد المدح بما شبه الذم ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً﴾ [الواقعة: ٢٥٢٦] لأن


الصفحة التالية
Icon