اللغَة: ﴿نُّزُلاً﴾ النُّزُل: الضيافة والتكرمة، وأصله ما يُعد للأضياف من الطعام والشراب وغيرهما ﴿طَلْعُهَا﴾ ثمرها، سُمي طلعاً لطلوعه ﴿لَشَوْباً﴾ خلطاً ومزاجاً من شاب الطعام يشوبه إِذا خلطه بشيء آخر ﴿يُهْرَعُونَ﴾ يُسرعون قال الفراء: الإِهراع: الإِسراع مع رعدة، وقال المبرّد: المُهرع: المستحثُّ يقال: جاء فلان يُهرعن إلى النار، إِذا استحثَّه البرد إِليها ﴿شِيعَتِهِ﴾ شيعة الرجل أعوانه وأنصاره، ومن سار على طريقته ومنهاجه ﴿أَإِفْكاً﴾ كذباً وباطلاً ﴿سَقِيمٌ﴾ مريض وعليل ﴿فَرَاغَ﴾ راغ إِليه: أقبل عليه ومال نحوه خفيةً وأصله من الميل قال الشاعر:
ويُريك من طَرف اللسان حلاوةً | ويروغ فيك كما يروغ الثعلب |
التفسِير: ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم﴾ أي أنعيم الجننة خيرٌ ضيافةً وعطاءً أم شردة الزقوم التي في جهنم؟ أيهما خيرٌ وأفضل؟ فالفواكه والثمار طعام أهل الجنة، وشجرة الزقوم طعام أهل النار، والغرض منه توبيخ الكفار ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ﴾ أي إِنا جعلنا شجرة الزقوم فتنةً وابتلاءً لأهل الضلالة قال المفسرون: لما سمع الكفارُ ذكر شجرة الزقوم قالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تُحرق الشجر؟ وكان أبو جهل يقول لأصحابه: أتدون ما الزقوم؟ إِنه الزُّبد والتمر، ثم يأتيهم به ويقول: تزقَّموا، هذا الذي يخوفنا به محمد ﴿إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم﴾ أي تنبت في قعر جهنم ثم هي متفرعة فيها ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين﴾ أي ثمرها وحملها كأنه رءوس الشياطين في تناهي القبح والبشاعة قال ابن كثير: وإنما شبهها برءوس الشياطين، وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين، لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر ﴿فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون﴾ أي فإن هؤلاء الكفار لشدة جوعهم مضطرون إلى الأكل منها حتى تمتلىء منها بطونهم، فهي طعامهم وفاكهتهم بدل رزق أهل الجنة، وفي الحديث «لو أن قطرةً من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه» ﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي ثم إن لهم بعدما شبعوا منها وغلبهم العطش لمزاجاً من ماء حار قد انتهت حرارته يشاب به الطعام أي يخلط ليجمع لهم بين مرارة الزقوم، وحرارة الحميم، تغليظاً لعذابهم ﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم﴾ أي ثم مصيرهم ومرجعهم إلى دركات الجحيم قال مقاتل: الحميم خارج الجحيم، فهم يوردون الحميم لشربه ثم يردون إلى الجحيم وقال أبو السعود: الزقوم والحميم نُزل يُقدَّم إِليهم قبل دخولها ﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ﴾ أي وجدوهم على الضلالة فاقتدوا بهم ﴿فَهُمْ على آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ أي فهم يُسرعون في اتباع خطاهم من غير دليل ولا برهان قال مجاهد: شبَّهه بالهرولة كمن يُسرع إِسراعاً نحو الشيء ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولين﴾ أي ضلَّ قبل قومك أكثر الأمم الماضية ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ﴾ أي أرسلنا فيهم رسلاً كثيرين يخفونهم من عذاب الله ولكنه تمادوا في الغيّ والضلال ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين﴾ أي فانظر يا محمد كيف كان مصير أمر هؤلاء المكذبين؟ ألم نهلكهم فنضيرهم عبرةً للعباد؟ ﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾