أي لكنْ عبادَ الله المؤمنين الذين أخلصهم تعالى لطاعته فإنهم نجوا من العذاب.
. ثم شرع في بيان قصة نوح فقال ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المجيبون﴾ اللام موطئة للقسم أي وبالله لقد استغاث بنا نوحٌ لما كذبه قومه فلنعم المجيبون نحن له، وصيعة الجمع ﴿المجيبون﴾ للعظمة والكبرياء قال الصاوي: ذكر تعالى في هذه السورة سبع قصص: قصة نوح، وقصة إبراهيم، وقصية الذبيح إسماعيل، وقصة موسى وهارون، وقصة إلياس، وقصة لوط، وقصة يونس، وكل ذلك تسلية له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتحذيراً لمن كفر من أمته ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم﴾ أي ونجيناه ومن آمن معه من أهلُه وأتباعُه من الغرق قال المفسرون: وكانوا ثمانين ما بين رجل وامرأة ﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين﴾ أي وجعلنا ذرية نوح هم الذين بقوا في الأرض بعد هلاك قومه قال ابن عباس: أهل الأرض كلُّهم من ذرية نوح قال في التسهيل: وذلك لأنه لما غرق الناس في الطوفان، ونجا نوح ومن كان معه في السفينة، تناس الناسُ من أولاده الثلاثة «سام، وحام، ويافث» ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ أي تركنا عليه ثناءً حسناً في كل أمة إلى يوم القيامة ﴿سَلاَمٌ على نُوحٍ فِي العالمين﴾ أي سلام عاطر من الله تعالى والخلائق على نوح باقٍ على الدوام بدون انقطاع ﴿نَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ أي هكذا نجزي من أحسن من العباد، نبقي له الذكر الجميل إلى آخر الدهر ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين﴾ أي كان مخلصاً في العبودية لله، كامل الإِيمان واليقين قال في حاشية البيضاوي: علَّل هذه التكرمة السنية بكونه من أُولي الإِحسان، ثم علَّل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً، إظهاراً لجلالة قدر الإِيمان وأصالة أمره، وجعل الدنيا مملؤءةً من ذريته تبقيه لذكره الجميل في ألسنة العالمين ﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين﴾ أي أغرقنا الكافرين الذين لم يؤمنوا بنوح عن آخرهم، فلم تبق منهم عينٌ تطرف ولا ذكرٌ ولا أثر.. ثم شرع تعالى في بيان قصة إبراهيم فقال ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ﴾ أي وإِن من من أنصار نوح واعوانه وممن كان على منهاجه وسنته إبراهيم الخليل، قال البيضاوي: وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان هما «هود» و «صالح» صلوات الله عليهم أجمعين ﴿إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ أي حين جاء ربه بقلبٍ نقي طاهر، مُخلص من الشك والشرك ﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ﴾ أي حين قال لأبيه آزر وقومه موبخاً لهم: ما الذي تعبدونه من الأوثان والأصنام؟ وهو إِنكار لهم وتوبيخ ﴿أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ﴾ ؟ أي أتعبدون آلهة من دون الله من أجل الإِفك والكذب والزور؟ وإِنما قدَّم المفعول لأجله ﴿أَإِفْكاً﴾ على المفعول به لأجل التقبيح عليهم بأنهم على إِفكٍ وباطل في شركهم والأصل: أتريدون آلهة من دون الله إفكاً؟ قال القرطبي: والإِفكُ أسوأ الكذب وهو الذي لا يثبتُ ويضطرب ﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ العالمين﴾ استفهام توبيخ وتحذير أيْ أيَّ شيءٍ تظنون بربِّ العالمين؟ هل تظنون أنه يترككم بلا عقاب وقد عبدتم غيره؟ قال الطبري: المعنى أيَّ


الصفحة التالية
Icon