شيءٍ تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ ﴿فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النجوم فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ﴾ لما وبخهم على عبادة غير الله أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تضر ولا تنفع، وأراد أن يخلو بها حتى يكسرها، فاحتال للبقاء وعدم الخروج معهم إلى العيد، فنظر في السماء على عادتهم حيث كانوا نجامين وأوهمهم أن النجوم تدل على أنه سيسقم غداً فقال: إِني سقيم أي سأمرض إن خرجتُ معكم، وهذا ليس بكذبٍ وإنما هو من المعارض الجائزة لمقصد شرعي كما ورد «إِنَّ المعاريض لمندوحةً عن الكذب» أو أراد أنه سقيم القلب من عبادتهم للأوثان ﴿فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ﴾ أي فتركوه إعراضاً عنه وخرجوا إلى عيدهم ﴿فَرَاغَ إلى آلِهَتِهِمْ﴾ أي فلما ذهبوا وتركوه توجه إلى الأصنام ومال إليها في خفية قال ابن كثير: أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعةٍ واختفاء ﴿فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ﴾ ؟ أي ألا تأكلون من هذا الطعام؟ قال ابن كثير: وذلك أنهم كانوا قد وضعوا بين أيديهما طعاماً قرباناً لتُبارك لهم فيه ﴿مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ﴾ ؟ أي ما لكم لا تجيبوني على سؤالي قال أبو حيان: وعرضُ الأكل عليها واستفهامها عن النطق إِنما هو على سبيل الهزء، لأنها منحطةٌ عن ربتة عابديها إذ هم يأكلون وينطقون بخلافها ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين﴾ أي فأقبل على الأصنام مستخفياً يحطمها بيمينه بفأسٍ كان معه قال البيضاوي: وتقييدُه باليمين للدلالة على قوته وقوةُ الآلة تستدعي قوة الفعل وقال القرطبي: خصَّ الضرب باليمين لأنها أقوى والضربُ بها أشد ﴿فأقبلوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ﴾ أي أقبلوا نحوه مسرعين كأن بعضهم يدفع بعضاً، فلما أدركوه قالوا: ويحكَ نحن نعبدها وأنت تكسرها؟ فأجابهم موبخاً ﴿قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ ؟ أي أتبعدون أصناماً نحتموها بأيديكم، وصنعتموها بأنفسكم؟ ﴿والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي واللهُ جل وعلا خلقكم وخلق عملكم، وكلُّ الأشياء مخلوقة له، فكيف تعبدون المخلوق وتتركون الخاق، أليس لكم عقل ايها الناسُ؟ قال ابن جزي: ذهب بعض المفسرين إلى أن ﴿ما﴾ مصدرية والمعنى: اللهُ خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدةً في خلق أفعال العباد، وذهب بعضهم إلى أن ﴿ما﴾ موصولة بمعنى الذي والمعنى: خلقكم وخلق أصنامكم التي تعملونها، وهذا أليقٌ بسياق الكلام، وأقوى في قصد الاحتجاج على الذين عبدوا الأصنام.
﴿قَالُواْ ابنوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الجحيم﴾ أي ابنوا له مكاناً وأضرموه ناراً ثم ألقوه في تلك النار المتأججة المستعرة قال المفسرون: لما غلبهم إبراهيم عليه السلام في الحجة، مالوا إلى الغلبة بقوة البطش والشدة، وتشاوروا فيما بينهم ثم قرروا أن يطرحوه في النار انتصارً لأصنامهم وآلهتهم ﴿فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين﴾ أي أرادوا المكر بإبراهيم واحتالوا لإهلاكه، فنجيناه من النار وجعلناها برداً وسلاماً عليه، وجعلناهم الأذلين المقهورين لأنه لم ينفذ فيه مكرهم، ولا كيدهم ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إلى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ لما نجاه الله من النار، وخلّصه من كيد