صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} أي لأنتم يا معشر المسلمين أشدُّ خوفاً وخشيةً في قلوب المنافقين من الله، فإِنهم يرهبون ويخافون منكم أشدَّ من رهبتهم من الله ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ أي ذلك الخوف منكم بسبب أنهم لا يعلمون عظمة الله تعالى حتى يخشوه حقَّ خيشته قال القرطبيك أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.
. ثم أخبر تعالى عن اليهود والمنافقين بأنهم جبناء من شدة الهلع، وأنهم لا يقدرون على قتال المسلمين إِلا إِذا كانوا متحصنِّين في قلاعهم وحصونهم فقال ﴿لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾ أي لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إِلا إِذا كانوا في قرى محصَّنة بالأسوار والخنادق ﴿أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ﴾ أي أو يكونوا من وراء الحيطان ليتستروا بها، لفرط جبنهم وهلعهم ﴿بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ أي عداوتهم فيما بينهم شديدة ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى﴾ أي تظنهم مجتمعين على أمرٍ ورأي في الصورة ذوي ألفةٍ واتحاد، وهم مختلفون غاية الاختلاف لأن أراءهم مختلفة، وقلوبهم متفرقة قال قتادة: أهل الباطل مختلفةٌ آراؤهم، مختلمفة أهواءهم، مختلفةٌ شهادتهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ﴾ أي ذلك التفرق والشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة ﴿كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً﴾ أي صفةُ بني النضير فيما وقع لهم من الجلاء والذل، كصفةِ كفار مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسرار قال البيضاوي: أي مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو المهلكين من الأمم الماضية في زمان قريب ﴿ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ أي ذاقوا سوء عاقبة إِجرامهم في الدنيا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي ولهم عذاب شديد موجعٌ في الآخرة ﴿كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر﴾ أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال، كمثل الشيطان الذي أغرى الإِنسان بالكفر ثم تخلى عنه وخذله ﴿فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ﴾ أي فلما كفر الإِنسان تبرأ منه الشيطان وقال ﴿إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين﴾ أي أخاف عذاب الله وانتقامه إن كفرتُ به قال في التسهيل: هذا مثلُ، مثَّل، مثَّل اللهُ للمنافقين الذين أغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان الذي يُغوي ابن آدم ثم يتبرأ منهن والمراد بالشيطان والإِنسان هنا الجنس، وقولُ الشيطان ﴿إني أَخَافُ الله﴾ كذبٌ منه ورياءٌ لأنه لو خاف الله لامتثل أمره وما عصاه ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي فكان عاقبة المنافقين واليهود، مثل عاقبة الشيطان والإِنسان، حيث صارا إِلى المؤبدة ﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين﴾ أي وذلك عقاب كل ظالم فاجر، منتهكٍ لحرمات الله والدين.. ولمَّا ذكر صفات كلٍ من المنافقين واليهود وضرب لهم الأمثال، وعظ المؤمنين بموعظةٍ حسنة، تحذيراً من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم فقال ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله﴾ أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ