مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} أي ولتنظر كلُّ نفسٍ ما قدَّمت من الأعمال الصالحة ليوم القيامة قال ابن كثير: انظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادم وعرضكم على ربكم، وسُمي يوم القيامة غداً لقرب مجيئه
﴿وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر﴾ [النحل: ٧٧] والتنكير فيه للتفخيم والتهويل ﴿واتقوا﴾ كرَّره للتأكيد ولبيان منزلة التقوى التي هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتقوا الله﴾ [النساء: ١٣١] ﴿الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ أي ولا تكونوا يا معشر المؤمنين كالذين تركوا ذكر الله ومراقبته وطاعته، فأنساهم حقوق أنفسهم والنظر لها بما يصلحها قال أبو حيان: وهذا من المجازاة على الذنب بالذنب، تركوا عبادة الله وامتثال أوامره، فعوقبوا على ذلك بأن أنساهم حظَّ أنفسهم، حتى لم يقدموا له خيراً ينفعها ﴿أولئك هُمُ الفاسقون﴾ أي أولئك هم الفجرة الخارجون عن طاعة الله ﴿لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة﴾ أي لا يتساوى يوم القيامة الأشقياء والسعداء، أهل النار وأهل الجنة في الفضل والرتبة ﴿أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون﴾ أي أصحاب الجنة هم الفائزون بالسعادة الأبدية في دار النعيم، وذلك هو الفوز العظيم.. ثم ذكر تعالى روعة القرآن، وتأثيره على الصمِّ الراسيات من الجبال فقال ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله﴾ أي لو خلقنا في الجبل عقلاً وتمييزاً كما خلقنا للإِنسان، وأنزلنا عليه هذا القرآن، بوعده ووعيده، لخشع وخضع وتشقق، خوفاً من الله تعالى، ومهابةً له وهذا تصويرٌ لعظمة قدر القرآن، وقوة تأثيره، وأنه بحيث لو خوطب به جبلٌ على شدته وصلابته لرأيته ذليلاً متصدعاً من خشية الله، والمراد منه توبيخ الإِنسان بأنه لا يتخشع عند تلاوة القرآن، بل يعرض عما فيه من عجائب وعظائم، فهذه الآية في بيان عظمة القرآن، ودناءة حال الإِنسان وقال في البحر: والغرضُ توبيخ الإِنسان على قوسة قلبه، وعدم تأثره بهذا الذي لو أُنزل على الجبلُ لتخشَّع وتصدَّع، وإِذا كان الجبل على عظمته وتصلبه يعرض له الخشوع والتصدع، فابن آدم كان أولى بذلك، لكنه على حقارته وضعفه لا يتأثر ﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي وتلك الأمثال نفصّلها ونوضحها للناس لعلهم يتفكرون في آثار قدرة الله ووحدانتيه فيؤمنون.. ثم لما وصف القرآن بالرفعة والعظمة، أتبعه بشرح عظمة الله وجلاله فقال ﴿هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي هو جلَّ وعلا الإِله المعبود بحقٍ لا إِله ولا رب سواه ﴿عَالِمُ الغيب والشهادة﴾ أي عالم السر والعلن، يعلم ما غاب عن العباد مما لم يبصروه، وما شاهدوه وعلموه ﴿هُوَ الرحمن الرحيم﴾ أي هو تعالى ذو الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة ﴿هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ كرر اللفظ اعتناءً بأمر التوحيد أي لا معبود ولا رب سواه ﴿الملك﴾ أي المالك لجميع المخلوقات، المتصرف في خلقه بالأمر والنهي، والإِيجاد والإِعلام ﴿القدوس﴾ أي المنزَّه عن القبائح وصفات الحوادث قال في التسهيل: القُدُّوسُ مشتقٌ من التقديس وهو التنزه عن صفات المخلوقين، وعن كل نقص وعيب، والصيغة