للمبالغة كالسبُّوح، وقد ورد أن الملائكة تقول في تسبيحها: «سبُّوح قُدُّوس، ربُّ الملائكة والروح» ﴿السلام﴾ أي الذي سلم الخلق من عقابه، وأمنوا من جوره
﴿وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ [الكهف: ٤٩] وقال البيضاوي: أي ذو السلامة من كل نقص وآفة، وهو مصدر وصف به للمبالغة ﴿المؤمن﴾ أي المصدِّق لرسله بإِظهار المعجزات على أيديهم ﴿المهيمن﴾ أي الرقيبُ الحافظ لكل شيء وقال ابن عباس: الشهيد على عباده بأعمالهم الذي لا يغيب عنه شيء ﴿العزيز﴾ أي القادر القاهر الذي لا يُغلب ولا يناله ذل ﴿الجبار﴾ أي القهار العالي الجناب الذي يذل له من دونه قال ابن عباس: هو العظيم الذي إِذا أراد أمراً فعله، وجبروتُ الله عظمته ﴿المتكبر﴾ أي الذي له الكبرياء حقاً ولا تليق إِلا به وفي الحديث القدسي ﴿العظمة إِزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته ولا أبالي﴾ قال الإِمام الفخر: واعلم أن المتكبر في وصفة الناس صفة ذم، لأن المتكبر هو الذي يُظهر من نفسه الكِبْر، وذلك نقصٌ في حق الخلق، لأنه ليس له كبر ولا علوٍ، بل ليس له إِلا الذلة والمسكنة، فإِذا أظهر العلو كان كاذباً فكان مذموماً في حق الناس، وأما الحقُّ سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء، فإِذا أظهر فقد أرشد العباد إِلى تعريف جلاله وعظمته وعلوه، فكان ذلك في غاية المدح في حقه جل وعلا، ولهذا قال في آخر الآية ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزَّه الله وتقدَّس في جلاله وعظمته، عمَّا يلحقون به من الشركاء والأنداد ﴿هُوَ الله الخالق البارىء﴾ أي هو جل وعلا الإِله الخالق لجميع الأشياء، الموجد لها من العدم، المنشىء لها بطريق الاختراع ﴿المصور﴾ أي المبدع للأشكال على حسب إرادته ﴿هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَآءُ﴾ [آل عمران: ٦] قال الخازن: أي الذي يخلق صورة الخلق على ما يريده ﴿لَهُ الأسمآء الحسنى﴾ أي له الأسماء الرفعية الدالة على محاسن المعاني ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي ينزهه تعالى عن صفات العجز والنقص جميع ما في الكون بلسان الحال أو المقال قال الصاوي: ختم السورة بالتسبيح كما ابتدأها به إشارة إلى أنها المقصود الأعظم، والمبدأ والنهاية، وأن غاية المعرفة بالله تنزيه عظمته عما صورته العقول ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي العزيز في ملكه، الحكيم في خلقه وصنعه.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - طباق السلب ﴿مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ وظنوا أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ الله﴾ [الحشر: ٢].
٢ - المقابلة اللطيفة بين ﴿وَمَآ آتَاكُمُ الرسول فَخُذُوهُ﴾ وبين ﴿وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا﴾ [الحشر: ٧].
٣ - وضع الضمير بين المبتدأ والخبر لإِفادة الحصر ﴿أولئك هُمُ الصادقون﴾ [الحشر: ٨].
٤ - الاستعارة اللطيفة ﴿تَبَوَّءُوا الدار والإيمان﴾ [الحشر: ٩] شبَّه الإِيمان المتمكن في نفوسهم، بمنزلٍ ومستقريٍ للإِنسان نل فيه وتمكَّن منه حتى صار منزلاً له، وهو ومن لطيف الاستعارة.