صنعه، الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ أي يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله لم تقولون بألسنتكم شيئاً ولا تفعلونه؟ ولأي شيءٍ تقولون نفعل ما لا تفعلونه من الخير والمعروف؟ وهو استفهام على جهة الإِنكار والتوبيخ قال ابن كثير: هذا إنكارٌ لعى من يَعِد وعداً، أو يقول قولاً لا يفي به، وفي الصحيحين «آية المنافق ثلاثٌ: إِذا وعد أخلف، وإِذا حدَّث كذب، وإِذا ائتمن خان» ثم أكَّد الإِنكار عليهم بقوله ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ الله﴾ أي عظُم فعلكم هذا بغضاً عند ربكم ﴿أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ﴾ أي أن تقولوا شيئاً ثم لا تفعلونه، وأن تَعشدوا بشيء ثم لا تفون بهن قال ابن عباس: كان ناسٌ من المؤمنين قبل أن يُفرض الجهاد يقولون: لوددنا أنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ َّ دلنا على أحبِّ الأعمال إِليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إيمان بالله لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإِيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناسٌ من المؤمنين وشقَّ عليهم أمره فنزلت الآية وقيل: هو أن يأمر الإِنسان أخاه بالمعروف ولا يأتمر به، وينهاه عن المنكر ولا ينتهي عنه كقوله تعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ الناس بالبر وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ [البقرة: ٤٤] ؟ ثم أخبرهم تعالى بفضيلة الجهاد في سبيل الله فقال ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً﴾ أي يحب المجاهدين الذين يصفُّون أنفسهم عند القتال صفاً، ويثبتون في أماكنهم عند لقاء العدو ﴿كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ أي كأنهم في تراصِّهم وثبوتهم في المعركة، بناءٌ قد رُصَّ بعضه ببعض، وأُلصق وأُحكم حتى صار شيئاً واحداً قال القرطبي: ومعنى الآية أنه تعالى يحب منيثبت في الجهاد في سبيل الله ويلزم مكانه كثبوت البناء، وهذا تعليمٌ من الله تعالى للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوهم.
. ولما ذكر تعالى أمر الجهاد، بيَّن أنَّ موسى وعيسى أمرا بالتوحيد، وجاهدوا في سبيل الله وأوذيا بسبب ذلك فقال ﴿وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ ؟ أي واذكر يا محمد لقومك قصة عبده وكليمه «موسى بن عمران» حين قال لقومه بين إِسرائيل: لمَ تفعلون ما يؤذيني؟ ﴿وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ﴾ أي والحال أنكم تعلمون علماً قطعياً بما شاهدتموه من المعجزات الباهرة أني رسولُ اللهِ إلِيكم، وتعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟ وفي هذا تسليةٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما أصابه من كفار مكة ﴿فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ أي فلما مالوا عن الحقِّ، أمال الله قلوبهم عن الهدى ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾ أي واللهُ لا يوفق للخير والهدى من كان فاسقاً خارجاً عن طاعة الله قال الرازي: وفي هذا تنبيهٌ على عظم إِيذاء الرسل، حتى إِنه يؤدي إِل الكفر وزيغ القلوب عن الهدى.. ثم ذكر تعالى قصة عيسى عليه السلام فقال {وَإِذْ