خلقه، ومنكم مصدِّق به موقنٌ أنه خالقه وبارئه، وقدَّم الكافر على المؤمن، لكثر الكفار وقلة المؤمنين ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأرض يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ الله﴾ [الأنعام: ١١٦] ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور﴾ [سبأ: ١٣] ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي عالمٌ بأحوالكم، مطَّلعٌ على أعمالكم، لا تخفى عليه خافية من شئونكم وسيجازيكم عليها،.. ثم فصَّل تعالى آثار قدرته ودلائل وحدانيته فقال ﴿خَلَقَ السماوات والأرض بالحق﴾ أي خلقهما بالحكمة البالغة، المتضمنة لمصالح الدنيا والدين، لا عبثاً ولا لهواً ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أي خلقكم في أحسن صورة وأجمل شكل، فأتقن وأحكم خلقكم وتصويركم كقوله تعالى ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: ٤] فإِن من نظر في شكل الإِنسان وهيئته وتناسب أعضائه، علم أن صورته أحسن صورة بالنسبة لسائر أنواع الحيوان، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب على وجهه ﴿وَإِلَيْهِ المصير﴾ أي وإليه تعالى وحده المرجع والمآب، فيجازي كلاً بعمله ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض﴾ أي يعلم ما في الكائنات من أجرامٍ ومخلوقات ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ أي ويعلم ما تخفونه وما تظهرونه من نواياكم وأعمالكم ﴿والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي عالم بما في الصدور من الأسرار والخفايا، فكيف تخفى عليه أعمالكم الظاهرة؟ قال في البحر: نبَّه تعالى بعلمه بما في السمواتِ والأرض، ثم بعلمه بما يخفيه العباد وما يعلنونه، ثم بعلمه بما أكنَّته الصدور، على أنه تعالى لا يغيب عن علمه شيء، لا من الكليات ولا من الجزيئات، فابتدأ بالعلم الشامل، ثم بسرِّ العباد وعلانيتهم، ثم بما تنطوي عليه صدروهم، وهذا كله في معنى الوعيد، إِذ هو تعالى المجازي عليه بالثواب والعقاب.
. ثم ذكَّرهم تعالى بما حلَّ بالكفار قبلهم فقال ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ﴾ أي ألم يأتكم يا معشر قريش خبر كفار الأمم الماضية كقوم عاد وثمود، ماذا حلَّ بهم من العذاب والنكال!! ﴿فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ أي فذاقوا العقوبة الوخيمة على كفرهم في الدنيا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي وهلم في الآخرة عذاب شديد موجع ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ أي ذلك العذاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقونه في الآخرة، بسبب أنه جاءتهم رسلهم بالمعجزات الواضحات، والبراهين الساطعات، الدالة على صدقهم ﴿فقالوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا﴾ ؟ أي فقالوا على سبيل الاستغراب والتعجب: أرسلٌ من البشر يصيرون هداةً لنا قال الرازي: أنكروا أن يكون الرسول بشراً، ولم ينكروا أن يكون معبودهم حجراً، وذلك لقلة عقولهمك وسخافة أحلامهم ﴿فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ﴾ أي فكفروا بالرسول، وأعرضوا عن الإِيمان واتباع هدى الرحمن ﴿واستغنى الله﴾ أي استغنى الله عن طاعتهم وعبادتهم قال الطبري: أي استغنى اللهُ عنهم، وعن إِيمانهم به وبرسله ﴿والله غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي غنيٌّ عن خلقه، محمودٌ في ذاته وصفاته، لا تنفعه طاعة، ولا تضره معصية، لأنه مستغنٍ عن العالمين.. ثم أخبر تعالى عن إِنكارهم للبعث بعد