تكذيبهم للرسالة فقال ﴿زَعَمَ الذين كفروا أَن لَّن يُبْعَثُواْ﴾ أي ادَّعى كفار مكة وظنوا أن الله لن يبعثهم من قبورهم بعد موتهم أبداً ﴿قُلْ بلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ﴾ أي قل لهم يا محمدا: ليس الأمر كما زعمتم، وأقسم بري لتخرجن من قبوركم أحياء ولتبعثنَّ ﴿ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ﴾ أي ثم تخبرنَّ بجميع أعمالكم، صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها، وتُجزون بها ﴿وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ أي وذلك البعث والجزاء، سهلٌ هينٌ على الله، لأن الإِعادة أسهل من الابتداء قال الرازي: أنكروا البعث بعد أن صاروا تراباً، فأخبر تعالى أن إِعادتهم أهونُ في العقول من إنشائهم.. ولما بالغ في الإِخبار عن البعث، وذكر أحوال الأمم المكذبة، أمر بالاعتصام بالإِيمان والتمسك بالقرآن فقال ﴿فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا﴾ أي فصدِّقوا بالله وبرسوله وبهذا القرآن الذي أنزله على نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فإنه النور الوضاء، المبدّد للشبهات، كما يبدد النور الظلمات ﴿والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ أي لاتخفى عليه خافية من أعمالكم ﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع﴾ أي واذكروا ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة الذي يجمع الله فيه الخلائق كلها في صعيد واحد للحساب والجزاء قال ابن كثير: سمُي «يوم الجمع» لأن الله تعالى يجمع فيه الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، كقوله تعالى
﴿ذلك يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ الناس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ [هود: ١٠٣] ﴿ذَلِكَ يَوْمُ التغابن﴾ أي ذلك هو اليوم الذي يظهر فيه غبن الكافر وخسارته بتركه الإِيمان، وذلك أن المؤمنين اشتروا الجنة بترك الدنيا، واشترى الكفار النار بترك الآخرة، فظهر غبن الكافرين قال الخازن: وأصله من الغبن وهو أخذ الشيء بدون قيمته، والمغبونُ من غُبن أهله ومنازله في الجنة، وذلك لأن كل كافر له أهلٌ ومنزل في الجنة لو أسلم، فيظهر يومئذٍ غبن كل كافرٍ بتركه الإِيمان، ويظهر غبن كل مؤمن بتقصيره في الإِحسان ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ﴾ أي ومن يصدِّق بالله ويعمل عملاً صالحاً، يمح الله تعالى عنه ذنوبه ﴿وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي ويدخله جنات النعيم، التي تجري من تحت أشجارها وقصورها أنهارُ الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي مقيمين في تلك الجنات أبد الحياة، لا يموتون لا يُخرجون منها ﴿ذَلِكَ الفوز العظيم﴾ أي ذلك هو الفوز الذي لا فوز وراءه، والسعادة التي لا سعادة بعدها ﴿والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾ أي والذين جحدوا بوحدانيته الله وقدرته، وكذبوا بالدلائل الدالة على البعث وبآيات القرآن الكريم ﴿أولئك أَصْحَابُ النار خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي أولئك مآلهم جهنم، ما كثين فيها أبداً ﴿وَبِئْسَ المصير﴾ أي وبئست النار مرجعاً ومستقراً لأن الكفر والضلال.. ثم أخبر تعالى بأن كل ما يحدث في الكون بقضائه وإِرادته فقال ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي ما أصاب أحداً مصيبةٌ في نفسه أو ماله أو ولده، إِلا بقضاء الله وقدره ﴿وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ أي ومن يصدِّق بالله ويعلم أن كل حادثة بقضائه وقدره، يهدِ قلبه للصبر والرضا ويثبته على الإِيمان قال ابن عباس: يهدِ قلبه لليقين، حتى يعلم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، ما أخطأه لم يكن ليصيبه وقال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى


الصفحة التالية
Icon