بها ويُسلم لقضاء الله ﴿والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي هو الله تعالى عالمٌ بكل الأشياء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء قال القرطبي: أي لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلَّم لأمره، ولا كراهة من كرهه ولم يرض بقضائه ﴿وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول﴾ أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله في كل ما شرع لكم من الأوامر والنواهي، وكرَّر الأمر للتأكيد ولبيان أن طاعة الرسول واجبة كطاعة الله ﴿فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين﴾ أي فإِن أعرضتم عن إجابة الرسول فيما دعاكم إِليه من الهداية والإِيمان، فليس عليه ضرر إِنما ضرر ذلك عليكم، إِذ ليس على الرسول إِلا تبليغ الرسالة وقد أدى ما عليه، والله ينتقم ممن عصاه وخالف أمره ﴿الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي اللهُ جل وعلا لا معبود سواه، ولا خالق غيره، عليه الاعتماد وإِليه المرجع والمآب ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ أي فعليه وحده توكلوا أيها المؤمنون في جميع أموركم قال الصاوي: وهو تحريضٌ وحثٌّ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على التوكل على الله، والالتجاء إِليه، وفيه تعليمٌ للأمة ذلك، بأن يلتجئوا إِلى إِلى الله ويثقوا بنصره وتأييده ﴿ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم﴾ أي يا معشر المؤمنين إِن بعض الزوجات والأولاد أعداء لكم، يصدونكم عن سبيل الله، وثبطونكم عن طاعة الله، فاحذروا أن تستجيبوا لهم وتطيعوهم قال المفسرون: إِن قوماً أسلموا وأرادوا الهجرة، فثبطهم أزواجهم وأولادهم عن الهجرة، فلم يهاجروا إلا بعد مدة، فلما أتوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ رأوا الناس قد فقهوا في الدين، فندموا وأسفوا وهمُّوا بمعاقبة أزواجهم وأولادهم فنزلت الآية الكريمة، والآية نعم كلَّ من انشغل عن طاعة الله بالأزواج والأولاد ﴿وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ﴾ أي وإِن عفوتم عنهم في تثبيطكم عن الخير، وصفحتم عما صدر منهم، وغفرتم لهم زلاتهم ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي فإن الله واسع المغفرة عظيم الرحمة، يعاملكم بمثل ما عاملتم ﴿إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ أي ليست الأموالُ والأولادُ إِلاّ اختباراً وابتلاءً من الله تعالى لخلقه، ليعلم من يطيعه ومن يعصيه، وقدَّم المال لأن فتنته أشدُّ ﴿والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي وما عند الله من الأجر والثواب أعظم من متاعِ الدنيا، فلا تشغلكم الأموال والأولاد عن طاعة الله، والآية ترغيبٌ في الآخرة وتزهيدٌ في الدنيا، وفي الأموال والأولاد التي فتن الناسُ بها ﴿فاتقوا الله مَا استطعتم﴾ أي ابذلوا أيها المؤمنون في طاعة الله جهدكم وطاقتكم، ولا تكلفوا أنفسكم ما لا تطيقون قال المفسرون: هذا في المأمورات وفضائل الأعمال يأتي الإِنسان منها بقدر طاقته، وأما في المحظورات فلا بدَّ من اجتنابها بالكلية ويدل عليه ما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أنه قال:
«إِذا أمرتكم بأمرٍ فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه» ﴿واسمعوا وَأَطِيعُواْ﴾ أي واسمعوا ما توعظون به، وأطيعوا فيما تُؤْمرون به وتُنهون عنه ﴿وَأَنْفِقُواْ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ﴾ أي وأنفقوا في سبيل الله من أموالكم، يكنْ خيراً لأنفسكم ﴿وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي ومن سلم من البخل والطمع الذي تدعو إِليه النفس، فقد فاز بكل مطلوب ﴿إِن تُقْرِضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾ أي إِذا تصدقتم في سبيل الله عن طيب نفس،


الصفحة التالية
Icon