تردَّ قميصي عليها فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عيني، فقال له إبراهيم: نعم العونُ أنت يا بني على أمر الله ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ تعليلٌ لتفريج الكربة أي كما فرجنا شدتك كذلك نجازي المحسنين بتفريج الشدة عنهم ونجعل لهم من أمرهم فرجاً ومخرجاً ﴿إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين﴾ أي إن هذا لهو الابتلاء والامتحان الشاق الواضح، الذي يتميز فيه المخلص من المنافق ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ أي وفديناه بكبسٍ عظيم من الجنة فداءً عنه قال ابن عباس: كبش عظيم قد رعى في الجنة أربعين خريفاً ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ أي وأبقينا عليه ثناءً حسناً إلى يوم الدين ﴿سَلاَمٌ على إِبْرَاهِيمَ﴾ أي سلام منا على إبراهيم عاطرٌ كريم ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين﴾ كرَّر ذكر الجزاء مبالغة في الثناء ثم علَّل ذلك بأنه كان من الراسخين في الإِيمان مع الإِيقان والاطمئنان ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصالحين﴾ وبشرناه بغلامٍ آخر بعد تلك الحادثة هو إِسحق الذي سيكون نبياً قال ابن عباس: بُشِّرَ بنبوته حين وُلد، وحين نُبّىء، وتكاد تكون الآية صريحةً في أن الذبيح هو «إسماعيل» لا «إسحاق» ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وعلى إِسْحَاقَ﴾ أي أفضنا على إبراهيم وإِسحاق بركات الدنيا والدين ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ أي ومن ذريتهما محسنٌ ومسيء قال الطبري: المحسنُ هو المؤمن، والظالم لنفسه هو الكافر وقال أبو حيان: وفي الآية وعيدٌ لليهود ومن كان من ذريتهما ممن لم يؤمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وفيها دليل على أن البرَّ قد يلد الفاجر ولا يلحقه من ذلك عبيب ولا منقصة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبيدع نوجزها فيما يلي:
١ - الأسلوب التهكمي ﴿أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم﴾ ؟ التعبير ب «خيرٌ» تهكم بهم.
٢ - الجناح الناقس ﴿المُنذِرين.. والمُنْذَرين﴾ لأن المراد بالأول الرسل، وباللثاني الأمم.
٣ - التشبيه ﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين﴾ أي في الهول والشناعة ويسمى تشبيهاً مرسلاً مجملاً.
٤ - الاستعارة التبعية ﴿إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ شبَّه إقباله على ربه مخلصاً بقلبه بمن قدم علىلملك بتحفةٍ ثمينة جميلة ففاز بالرضى والقبول ففيه استعارة تبعية.
٥ - الطباق بين ﴿مُحْسِنٌ.. وَظَالِمٌ﴾.
٦ - جناس الاشتقاق بين ﴿ابنوا.. بُنْيَاناً﴾.
٧ - الكنابة اللطيفة ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ كنَّة به عن الثناء الحسن الجميل.
٨ - مراعاة الفواصل مثل ﴿وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الخ وهو من المحسنات البديعية، وهو من خصائق القرآن وفيه من الروعة والجمال، وحسن الوقع على السمع ما يزيده روعةً وجمالاً.