سجيةً لهن ﴿سَائِحَاتٍ﴾ أي مسافراتٍ مهاجراتٍ إِلى الله ورسوله ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ أيم منهنَّ ثيباتٍ، ومنهم أبكاراً قال ابن كثير: قسمهن إِلى نوعين ليكون ذلك أشهى إِلى النفس، فإنَّ التنوع يبسط النفس، وإِنما دخلت واو العطف على هنا ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ للتنويع والتقسيم، ولو سقطت لاختل المعنى، لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان، فتدبر سرَّ القرآن.. ولما وعظ نساء الرسول موعظةً خاصة، أتبع ذلك بموعظةٍ للمؤمنين فقال ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ قوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ أي يا من صدقتم بالله ورسوله وأسلمتم وجوهكم لله، احفظوا أنفسكم، وصونوا أزواجكم وأولادكم، من نارٍ حامية مستعرة، وذلك بترك المعاصي وفعل الطاعات، وبتأديبهم وتعليمهم قال مجاهد: أي اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله وق لالخازن: أي مروهم بالخير، وانهوهم عن الشر، وعلموهم وأدبوهم حتى تقوهم بذلك من النار، والمراد بالأهل النساءُ والأولاد وما ألحق بهما ﴿وَقُودُهَا الناس والحجارة﴾ أي حطبها الذي تُسعَّر به نار جهنم هو الخلائق والحجارة قال المفسرون: أرد بالحجارة حجارة الكبريت، لأنها أشد الأشياء حراً، وأسرع اتِّقاداً، وعنى بذلك أنها مفرطة الحرارة، تتقد بما ذكر، لا كنار الدنيا تتقد بالحطب ونحوه قال ابن مسعود: حطبها الذي يلقى فيها بنو آدم، وحجارةٌ من كبريت، أنتن من الجيفة ﴿عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ﴾ أي على هذه النار زبانيةٌ غلاظ القلوب، لا يرحمون أحداً، مكلفون بتعذيب الكفار قال القرطبي: المراد بالملائكة الزبانية، وهم غلاظ القولب لا يرحمون إِذا استرحموا، لأنهم خلقوا من الغضب، وحُبّب إِليهم عذاب الخلق كما حُبب لبني آدم أكل الطعام والشراب ﴿لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ﴾ أي لا يعصون أمر الله بحالٍ من الأحوال ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ أي وينفِّذون الأوامر بدون إِمهال ولا تأخير.
. ثم يقال للكفار عند دخولهم النار ﴿ياأيها الذين كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ اليوم﴾ أي لا تعتذروا عن ذنوبكم وإِجرامكم، فلا ينفعكم اليوم الاعتذار، لأنه قد قُدّم إِليكم الإِنذار والإِعذار ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي إِنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة، ولا تظلمون شيئاً كقوله تعالى ﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ [غافر: ١٧] ثم دعا المؤمنين إِلى التوبة الصادقة الناصحة فقال ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ توبوا إِلَى الله تَوْبَةً نَّصُوحاً﴾ أي توبوا إِلى الله من ذنوبكم توبةً صادقةً خالصة، بالغةً في النصح الغاية القصوى، سئل عمر عن التوبة النصوح فقال: هي أن يتوب ثم لا يعود إِلى الذنب، كما لا يعود اللبن إِلى الضَّرْع قال العلماء: التوبة النصوح هي التي جمعت ثلاثة شروط: الإِقلاع عن الذنب، والندم على ما حدث، والعزم على عدم العودة إِليه، وإِن كان الحق