آيات الله، ولكننا كذبناه وأنكرنا رسالته ﴿وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي وقلنا إِمعاناً في التكذيب وتمادياً في النكير: ما أنزل الله شيئاً من الوحي على أحدٍ قال الرازي: هذا اعترافٌ منهم بعدل الله، وإِقرار بأن الله أزاح عللهم ببعثة الرسل الكرام، ولكنهم كذبوا الرسل وقالوا ما نزَّل الله من شيء ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ كَبِيرٍ﴾ هذا من تتمة كلام الكفار أي ما أنتم يا معشر الرسل إِلا من بعدٍ عن الحق، وضلال واضح عميق ﴿وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ﴾ أي وقال الكفار: لو كانت لنا عقول ننتفع بها أو كنا نسمع سماع طالب للحق، ملتمسٍ للهدى ﴿مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير﴾ أي ما كنا نستوجب الخلود في جهنم ﴿فاعترفوا بِذَنبِهِمْ﴾ أي فأقروا بإِجرامهم وتكذيبهم للرسل ﴿فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير﴾ أي فبعداً وهلاكاً لأهل النار قال ابن كثير: عادوا على أنفسهم بالملامة، وندموا حيث لا تنفعهم الندامة، والجملة دعائية أي أبعدهم الله من رحمته وسحقهم سحقاً.
. ثم لما ذكرحال الأشقياء الكفار أتبعه بذكر حال السعداء الأبرار فقال ﴿إِنَّ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب﴾ أي يخافون ربهم ولم يروه، ويكفُّون عن المعاصي طلباً لمرضاة الله ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ أي لهم عند الله مغفرةٌ عظيمة لذنوبهم، وثواب جزيل لا يعلم قدره غير الله تعالى ﴿وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ﴾ الخطاب لجميع الخلق أي أخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوا وأظهروه، فسواءٌ أخفيتموه أو أظهرتموه فإنَّ الله يعلمه ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور﴾ أي لأنه تعالى العالم بالخفايا ولنوايا، يعلم ما يخطر في القلوب، وما توسوس به الصدور قال ابن عباس: نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيخبره جبريل بما قالوا، فقال بعضهم لبعض: أسرُّوا قولكم حتى لا يسمع إِله محمد، فأخبره الله أنه لا تخفى عليه خافية ﴿أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ ؟ أي ألا يعلم الخالق مخلوقاته؟ كيف لا يعلم من خلق الأشياء وأوجدها سرَّ المخلوق وجهره؟ ﴿وَهُوَ اللطيف الخبير﴾ أي والحال أنه اللطيف بالعباد، الذي يعلم دقائق الأمور وغوامضها، الخبير الذي لا يعزب عن علمه شيء، فلا تتحرك ذرة، ولا تسكن أو تضطرب نفسٌ إِلا وعنده خبرها.
. ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته، وآثار فضله وأمتنانه على العباد فقال ﴿هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً﴾ أي الله جل وعلا جعل لكم الأرض لينةً سهلة المسالك ﴿فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ أي فاسلكوا أيها الناس في جوانبها وأطرافها قال ابن كثير: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها للمكاسب والتجارات ﴿وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ﴾ أي وانتفعوا بما أنعم به جل وعلا عليكم من أنواع الكسب والرزق قال الألوسي: كثيراً ما يُعبر عن وجوه الانتفاع بالأكل لأنه الأهم الأعم، وفي الآية دليل على ندب التسبب والكسب، وهو لا ينافي التوكل، فقد مرَّ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بقومٍ فقال: من أنتم؟ فقالوا: المتوكلون فقال: بل أنتم المتواكلون، إِنما المتوكل رجلٌ ألقى حبه في بطن الأرض وتوكل على ربه عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَإِلَيْهِ النشور﴾ أي وإِليه تعالى المرجع بعد الموت والفناء، للحساب والجزاء.. ثم توعّد تعالى كفار مكة المكذبين لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقال {أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء أَن


الصفحة التالية
Icon