تفسيره، وإنما ختم الآيات بعد ذكر كل رسول بالسلام عليه، وبهاتين الآيتين الكريمتين لبيان فصل الإِحسان والإِيمان، وأن هؤلاء الرسل الكرام كانوا جميعاً من المتصفين بهذه الصفات، فلذلك استحقوا التحية والسلام، والذكر الحسن بين الأنام، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ﴿وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين﴾ أي وإِنَّ لوطاً لأحد رسلنا لهداية قومه ﴿إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ﴾ أي ذكر حين خلصناه من العذاب هو ومن آمن معه من أهله وأولاده ﴿إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين﴾ أي إلا امرأته الكافرة فإِنها لم تؤمن فكانت من الباقين في العذاب ومن الهالكين ﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين﴾ أي ثم أهلكنا المكذبين من قومه أشدَّ أهلاك وأفظعه، وذلك بقلب قراهم حيث جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل، ولهذا عبَّر ب ﴿دَمَّرْنَا﴾ ﴿وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وباليل﴾ أي وإنكم يا أهل مكة لتمرون على منازلهم في أسفاركم وتشاهدون آثار هلاكهم صباحاً ومساءً، وليلاً ونهاراً ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ ؟ أي أتشاهدون ذلك ثم لا تعتبرون؟ ألا تخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم؟ ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين﴾ أي وإن يونس لأحد رسلنا المرسلين لهداية قومه ﴿إِذْ أَبَقَ إِلَى الفلك المشحون﴾ أي اذكر حين هرب إلى السفينة المملوءة بالرجال ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المدحضين﴾ أي فقارع أهل السفينة فكان من المغلوبين بالقرعة فألقوه في البحر قال المفسريون: إن يونس ضاق صدراً بتكذيب قومه، فأنذرهم بعذاب قريب، وغاردهم مغضباً لأنهم كذبوه، فقاده الغضب إلى شاطىء البحر حيث ركب سفينة مشحونة، فناوأتها الرياح والأمواج، فقال الملاحون: ههنا عبدٌ أبق من سيده، ولا بدَّ لنجاة السفينة من إلقائه في الماء لتنجو من الغرق، فاقترعوا فخرجت القُرعة على يونس فألقوه في البحر ﴿فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ أي فابتلعه الحوت وهو آتٍ بما يُلام عليه من تخليه عن المهمة التي أرسله الله بها، وترك قومه مغاضباً لهم، وخروجه بغير إِذنٍ من ربه ﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين﴾ أي لولا أنه كان من الذاكرين الله كثيراً في حياته ﴿لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، وأصبح بطنه قبراً له فلم ينج أبداً، ولكنه سبَّح اللهَ واستغفره وناداه في بطن الحوت بقوله
﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ [الأنبياء: ٨٧] فاستجاب الله تضرعه ونداءه ﴿فَنَبَذْنَاهُ بالعرآء وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ أي فألقيناه من بطن الحوت على الساحل، بالأرض الفضاء التي لا شجر فيها ولا ظل، وهو سقيم مريض مما ناله من الكرب قال عطاء: أوحى الله تعالى إلى الحوت إني قد جعلت بطنك له سجناً، ولم أجعله لك طعاماً، فلذلك بقي سالماً لم يتغير منه شيء ﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾ أي وأنبتنا فوقه شجرة لتظله وتقيه حرَّ الشمس، وهي شجرة القرع ذات الأوراق العريضة قال ابن جزي: وإِنما خصَّ القرع بالذكر لأنه يجمع كبر الورق، وبرد الظل، والذبابُ لا يقربه، فإن لحم يونس لما خرج من البحر كان لا يحتمل الذباب، وكان هذا من تدبير الله ولطفه، فلما استكمل قوته وعافيته ردَّه الله إلى قومه ولهذا قال ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ أي وأرسلناه بعد ذلك إلى قومه الذين هرب منهم وهم مائة ألفٍ بل يزيدون قال المفسرون: كانوا مائة وعشرين ألفاً وقيل: وسبعين ألفاً، وهم أهل نينوى بجهة الموصل، و «أو»