بمعنى بل أي بل يزيدون ﴿فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ﴾ أي فآمنوا بعد أن شاهدوا أمارات العذاب الذي وُعدوا به فأبقيناهم ممتعين في الدنيا إلى حين انقضاء آجالهم قال في التسهيل: روي أنهم خرجوا بالأطفال وأولاد البهائم، وفرقوا بينهم وبين الأمهات، وناحوا وتضرعوا إلى الله، فرفع الله العذاب عنهم.. ولما انتهى من الحديث عن الرسل رجع إلى الحديث عن المكذبين من كفار مكة فقال ﴿فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون﴾ ؟ أي اسأل يا محمد واستخبر كفار مكة على سبيل التوبيخ والتقريع لهم كيف زعموا أن الملائكة بنات الله، فجعلوا للهِ الإِناث ولأنفسهم الذكور؟ إنهم يكرهون البنات ولا يرضون نسبتهنَّ لأنفسهم، فيكيف يرضونها لله عَزَّ وَجَلَّ ويختصون بالبنين؟ ﴿أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ﴾ توبيخٌ آخر على بهتانهم واستهزاء بهم وتجهيل أي بل أخلقنا الملائكة الأطهار حين خلقناهم، وجعلناهم إناثاً وهم شاهدون لذلك حين يقولون مثل هذا البهتان؟ ﴿أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله﴾ أي ألا فانتبهوا أيه الناس إن هؤلاء المشركين من كذبهم وافترائهم ينسبون إلى الله الذرية والولد ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ أي وهم كاذبون قطعاً في قولهم الملائكة بناتُ الله قال أبو السعود: والآية استئناف مسوقٌ لإِبطال أصل مذهبهم الفاسد، ببيان أن مبناه ليس إلا الإِفك الصريح، والافتراء القبيح، من غير أن يكون لهم دليلٌ قعطاً ﴿أَصْطَفَى البنات على البنين﴾ ؟ توبيخٌ وتقريع أي هل اختار جل وعلا البناتِ وفضلهن عن البنين؟ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ؟ تسفيهٌ لهم وتجهيل أيْ أيُّ شيء حصل لكم حتى حكمتم بهذا الحكم الجائر؟ كيف يختار لنفسه أخسَّ الجنسين على زعمكم؟ ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ أي أفليس لكم تمييز وإدراك تعرفون به خطأ هذا الكلام؟ قال أبو السعود: أي أفلا تتذكرون بطلان هذا ببديهة العقل، فإِنه مركوزٌ في عقل كل ذكي وغبي ﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ﴾ توبيخ آخر أي أم لكم برهان بيّن وحجة وا ضحة على أن الله اتخذ الملائكة بناتٍ له؟ ﴿فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي فأتوا بهذا الكتاب الذي يشهد بصحة دعواكم فيما تزعمون.
. والغرضُ تعجيزهم وبيان أنهم لا يستندون في أقوالهم الباطلة على دليل شرعي، ولا منطق عقلي.. وينتقل إلى أسطورةٍ أُخرى لفَّقها المشركون، حيث زعموا أن هناك صلة بين الله سبحانه وبين الجنِّ، وأنه من التزاوج بين الله تعالى والجِنَّة ولدت الملائكة فيقول ﴿وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً﴾ أي جعل المشركومن بين الله وبين الجنِّ قرابة ونسباً، حيث قالوا إنه نكح من الجنِّ فولدت له الملائكة ﴿سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ [الإسراء: ٤٣] ثم زعموا أن الملائكة إناث، وأنهن بنات الله ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ﴾ أي لقد علمت الشياطين أنهم محضرون في العذاب قال الصاوي: وهذا زيداة في تبكيتهم وتكذيبهم كأنه قيل: هؤلاء الذين عظمتموهم وجعلتموهم بنات الله، أعلمُ بحالكم وما يئون إليه أمركم ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يصفه به هؤلاء الظالمون ﴿إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين﴾ استثناء منقطع أي لكنْ عباد الله


الصفحة التالية
Icon