المخلصين فإِنهم ينزهون الله تعالى عما يصفه به هؤلاء ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم﴾ أي فإنكم أيها الكفار وكل ما تعبدونه من الأصنام والشياطين لستم بقادرين على أن تُضلوا أحداً من عباد الله، إلاَّ من قضى الله عليه الشقاوة، وقدَّر أنه يدخل النار ويصلاها، ثم ذكر تعالى اعتراف الملائكة بالعبودية لله فقال ﴿وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ﴾ أي وما منا ملك إلا له مرتبة ومنزلة ووظيفة لا يتعداها، فمنا الموكَّل بالأرزاق، ومنا الموكَّل بالآجال، ومنَّا من يتنزل بالوحي، ولكلٍ منزلته من العبادة، والتقريب، والتشريف ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون﴾ أي الواقفون في العبادة صفوفاً ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون﴾ أي المنزهون الله سبحانه عن كلا ما يليق بعظمته وكبريائه، نسبّح الله في كل وقتٍ وحين قال في التسهيل: وفي هذا الكلام الذي قالته الملائكة ردًّ على من قال إنهم بناتُ الله، وشركاء الله، لأنه اعترفوا على أنفسهم بالعبودية والطاعة لله، والتنزيه له جل وعلا ﴿وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الأولين لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين﴾ الضمر لكفار قريش و ﴿وَإِن﴾ هي المخففة من «إنَّ» الثقيلة أي وإن كان الحال والشأن أن كفار مكة كانوا قبل أن ينزل عليهم القرآن يقولون لو نزل علينا كتاب من كتب الأولين كالتوراة والإِنجيل لكنا أعظم إيماناً منهم، وأكثر عبادةً وإخلاصاً للهِ منهم، فلما جاءهم القرآن كفروا به ولهذا قال ﴿فَكَفَرُواْ بِهِ﴾ أي فكفروا وكذبوا بالقرآن أشرف الكتب السماوية ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أي فسوف يرون عاقبة كفرهم بآيات الله، وهو وعيد وتهديد ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين﴾ أي سبق وعدنا وقضاؤنا للرسل الكرام ﴿إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون﴾ أي إنهم هم المنصورون على أعدائهم، والإشارة إلى قوله تعالى
﴿كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي﴾ [المجادلة: ٢١] ﴿وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون﴾ أي وإن جندنا المؤمنين لهم الغالبون في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالحجة والبرهان، وفي الآخرة بدخول الجنان قال المفسرون: نصرُ الله للمؤمنين محقق، ولا يقدح في ذلك انهزامهم في بعض المعارك، فإن القاعدة هي بالظفر والنصرة، وإنما يُغلبون في بعض الأحيان بسبب تقصيرٍ منهم أو ابتلاءً ومحنة ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ﴾ أي أعرض عنه يا محمد إلى مدة يسيرة، إلى أن تؤمر بقتالهم ﴿وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ أي وأبصرهم حين ينزل بهم العذاب، فسوف يبصرون عاقبة كفرهم ﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾ استفهام إنكاري للتهديد أي أيستعجلون بعذاب الله؟ روي أنه لما نزل ﴿فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ استهزءوا وقالوا متى هذا يكون؟ فنزلت الآية ثم قال تعالى ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ المنذرين﴾ أي لا يستبعدوا ذلك فإن العذاب إذا نزل بفناء المكذبين فبئس هذا الصباح صباحهم، شبهه بجيسٍ هجم عليهم وقت الصباح فقطع دابرهم ﴿وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ كرره تأكيداً للتهديد وتسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ﴾ أي تنزه وتقدس ذو العزة والجبروت عما يصفه به المشركون ﴿وَسَلاَمٌ على المرسلين والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين﴾ أي وسلامٌ منا على الرسل الكرام، والحمد لله في البد والختام لله ربَ الخلائق أجمعين. نزَّه تعالى نفسه عما وصفه به الكفار مما لا يليق به سبحانه، فإنه حكى عنهم في هذه


الصفحة التالية
Icon