فاحترقت وهم نائمون ﴿فَأَصْبَحَتْ كالصريم﴾ أي فأصبحت كالزرع المحصود إِذا أصبح هشيماً يابساً قال ابن عباس: أصبحت كالرماد الأسود، قد حرموا خير جنتهم بذنبهم ﴿فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ﴾ أي نادى ب عضهم بعضاً حين أصبحوا ليمضوا على الميعاد إِلى بستانهم ﴿أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾ أي اذهبوا مبكرين إلى ثماركم وزروعكم وأعنابكم إن كنتم حاصدين للثمار تريدون قطعها ﴿فانطلقوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ أي فانطلوا نحو البستان وهم يخفون كلامهم خوفاً من أن يشعر بهم المساكين قائلين ﴿أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ﴾ أي لا تدخلوا في هذا اليوم أحداً من الفقراء إلى البستان ولا تمكنوه من الدخول ﴿وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ أي ومضوا على قصد وقدرة في أنفسهم يظنون أنه تمكنوا من مرادهم قال ابن عباس: ﴿على حَرْدٍ﴾ على قدرة وقصد وقال السدي: على حنق وغضب وقال الحسن: على فاقة وحاجة، وقول ابن عباس أظهر ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قالوا إِنَّا لَضَآلُّونَ﴾ أي فلما رأوا حديقتهم سوداء محترقة، قد استحالت من النضارة والبهجة إلى السواد والظلمة، قالوا لقد ضللنا الطريق إليها وليست هذه حديقتنا قال أبو حيان: كان قولهم ذلك في أول وصولهم إليها، أنكروا أنها هي واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق، ثم وضح لهم أنها هي وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها فقالوا عند ذلك ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ أي لسنا مخطئين للطريق بل نحن محرومون، حرمنا ثمرها وخيرها بجنايتنا على أنفسنا ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ﴾ ؟ أي قال أعقلهم وأفضلهم رأياً: هلا تسبحون الله فتقولون «سبحان الله» أو «إن شاء الله» قال في البحر: نبههم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من التسبيح، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين، واقتفوا سنة أبيهم في ذلك، فلما غفلوا عن ذكر الله وعزموا على منع المساكين ابتلاهم الله وقال الرازي: إن القوم حين عزموا على منع الزكاة واغتروا بمالهم وقوتهم، قال الأوسط لهم توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذاب، فلما رأوا حالة البستان ذكرهم بالكلام الأول، فاشتغلوا بالتوبة ولكن بعد خراب البصرة ﴿قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي فقالوا حينئذٍ: تنزه الله ربنا عن الظلم فيما فعل، بل نحن كنا الظالمين لأنفسنا في منعنا حق المساكين ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ﴾ أي يلوم بعضهم بعضاً يقول هذا أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذاك: بل أنت، ويقول آخر: أنت الذي خوفتنا الفقر ورغبتنا في جمع المال، فهذا هو التلاوم ﴿قَالُواْ ياويلنا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ أي قالوا يا هلاكنا وتعاستنا إن لم يغفر لنا ربنا، فقد كنا عاصين وباغين في منعنا الفقراء، وعد التوكل على الله، فقال الرازي: والمراد أنهم استعظموا جرمهم ﴿عسى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ﴾ أي لعل الله يعطينا أفضل منها بسبب توبتنا واعترافنا بخطيئتنا ﴿إِنَّآ إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ أي فنحن راجون لعفوه، طالبون لإِحسانه وفضله.
. ساق تعالى هذه


الصفحة التالية
Icon