القصة ليعلمنا أن مصير البخيل ومانع الزكاة إِلى التلف، وأنه يضن ببعض ماله في سبيل الله فيهلك كل ماله مصحوباً بغضب الله، ولذلك عقب تعالى بعد ذكر هذه القصة بقوله ﴿كَذَلِكَ العذاب وَلَعَذَابُ الآخرة أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي مثل هذا العذاب الذي نزل بأهل الجننة ينزل بقريش، ولعذاب الآخرة أعظم وأشد من عذاب الدنيا لو كان عندهم فهم وعلم، قال ابن عباس: هذا مثل لأهل مكة حين خرجوا إِلى بدر، وحلفوا ألا يرجعوا إلى مكة حتى يقتلوا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وأصحابه، ويشربوالخمور، وتضرب القينات المغنيات على رءوسهم، فأخلف الله ظنهم، فقلتوا وأُسروا وانهزموا كأهل هذه الجننة لما خرجوا عازمين على الصرام فخابوا.. ثم أخبر تعالى عن حال المؤمنين المتقين بعد أن ذكر حال المجرمين من كفار مكة فقال ﴿إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النعيم﴾ أي إن للمتقين في الآخةر حدائق وبساتين ليس فها إلا النعيم الخالص، الذي لا يشوبه كدر ولا منغص كما هو حال الدنيا ﴿أَفَنَجْعَلُ المسلمين كالمجرمين﴾ ؟ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ أي أفنساوي بين المطيع والعاصي، المحسن والمجرم؟ ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ ؟ تعجب منهم حيث أنهم يسوُّون المطبع بالعاصي، والمؤمن بالكافر، فإن مثل هذه لا يصدر عن عاقل ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ ؟ أي هل عندكم كتاب منزل من السماء تقرءون وتدرسون فيه ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ هذه الجملة مفعول لتدرسون أي تدرسون في هذا الكتاب أن لكم ما تشتهون وتطلبون؟ وهذا توبيخ آخر للمشركين فيما كانوا يزعمونه من الباطل حيث قالوا: إن كان ثمة بعث وجزاء، فسنعطى خيراً من المؤمنين كما أعطينا في الدنيا قال الطبري: وهذا توبيخ لهؤلاء القوم وتقريع لهم فيما كانوا يقولون من الباطل، ويتمنون من الأماني الكاذبة ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلى يَوْمِ القيامة﴾ أي هل لكم عهود ومواثيق مؤكدة من جهتنا ثابتة إلى يوم القيامة؟ ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ هذا جوابه أي إن لكم الذي تريدونه وتحكمون به؟ قال ابن كثير: المعنى أمعكم عهود ومواثيق مؤكدة أنه سيحصل لكم ما تريدون وتشتهون ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أي سل يا محمد هؤلاء المكابرين أيهم كفيل وضامن بهذا الذي يزعمون؟ وفيه نوع من السخرية والتهكم بهم، حيث يحكمون بأمور خارجة عن العقول، يرفضها المنطق وتأباها العدالة ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ﴾ أي أم لهم شركاء وأرباب يكلفون لهم بذلك، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في دعواهم قال في التسهيل: وهذا تعجيز للكفار والمراد إن كان لكم شركاء يقدرون على شيء، فأتوا بهم وأحضروهم حتى نرى حالهم.
. ولما أبطل مزاعمهم وسفه أحلامهم، شرع في بيان أهوال الآخةر وشدائدها فقال ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ﴾ أي اذكر يا محمد لقومك ذلك اليوم العصيب الذي يكشف فيه عن أمر فظيع شديد في غاية الهول والشدة، قال ابن عباس: هو يوم القيامة يوم كرب وشدة قال القرطبي: والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها موضع الشدة كقول الراجز: