قد كشفت عن ساقها فشدوا وجدَّت الحرب بكم فجدوا
﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ أي ويدعى الكفار للسجود لرب العالمين فلا يستطيعون لأن ظهر أحدهم يصبح طبقاً واحداً، وفي الحديث «يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً» ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ أي ذليلة متواضعة أبصارهم لا يستطيعون رفعها ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي تغشاهم وتلحقهم الذلة والهوان ﴿وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السجود وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ أي والحال أنهم كانوا في الدينا يدعو إلى السجود وهم أصحاء الجسم معافون فيأبون قال الإِمام الفخر: لا يدعون إلى السجود تعبداً وتكليفاً، ولكن توبيخاً وتعنيفاً على تركهم السجود في الدنيا، ثم إنه تعالى يسلب عنهم القدرة على السجود ويحول بينهم وبين الاستطاعة حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على ما فرطوا فيه، حين دعوا إليه في الدنيا وهم سالمو الأطراف والمفاصل ﴿فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث﴾ أي اتركني يا محمد ومن يكذب بهذا القرآن لأكفيك شره وأنتقم لك منه!! وهذا منتهى الوعيد ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي سنأخذهم بطريق الاستدراج بالنعم، إلى الهلاك والدمار، من حيث لا يشعرون قال الحسن: كم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه قال الرازي: الاستدراج أن يستنزله إليه درجة درجة حتى يورطه فيه، فكلما أذنبوا ذنباً جدَّد الله لهم نعمة وأنساهم الاستغفار، فالاستدراج إنما حصل لهم من الإِنعام عليهم، لأنهم يحسبونه تفضيلاً لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي أُمهلهم وأُطيل في اعمارهم ليزدادوا إثماً ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي إن انتقامي من الكفارين قوي شديد وفي الحديث
«إن الله ليملي للظالم حتى إِذا أخذه لم يفلته» ثم قرأ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ﴿وكذلك أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القرى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ وإنما سمي إِحسانه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد، فما وقع لهم من سعة الأرزاق، وطول الأعمار، وعافية الأبدان، إحسانٌ في الظاهر، وبلاء في الباطن، لأن المقصود معاقبتهم وتعذيبهم به ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ﴾ أي أتسألهم يا محمد غرامة مالية على تبليغ الرسالة، فهم معرضون عن الإِيمان بسبب ذلك التكليف الثقيل ببذلهم المال؟ والغرض توبيخهم في عدم الإِيمان فإن الرسول لا يطلب منهم شيئاً من الأجر قال الخازن: المعنى أتطلب منهم أجراً فيثقل عليهم محمل الغرامات في أموالهم فيثبطهم عن الإِيمان ﴿أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ أي أم ههل عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيب، فهم ينقلون منه أنهم خير من أهل الإِيمان، فلذلك أصروا على الكفر والطغيان؟ وهو استفهام على سبيل الإِنكار والتوبيخ ﴿فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أي فاصبر يا محمد على أذاهم، وامض لما أُمرت به من تبليغ رسالة ربك ﴿وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت﴾ أي ولا تكن في الضجر والعجلة، كيونس بن متى عليه السلام، لما غضب على قومه لأنهم لم يؤمنوا فتركهم وركب البحر ثم التقمه الحوت،


الصفحة التالية
Icon