وقدميه والسلسلة هي حلق منتظمة، كل حلقة منها في حلقة، يلف بها حتى لا يستطيع حراكاً.
. لمّا بيَّن العذاب الشديد بيَّن سببه فقال ﴿إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بالله العظيم﴾ أي كان لا يصدق بوحدانية الله وعظمته قال في البحر: بدأ بأقوى أسباب تعذيبه وهو كفره بالله، وهو تعليلٌ مستأنف كأن قائلاً قال: لم يعذِّب هذا العذاب البليغ؟ فأجيب إِنه كان لا يؤمن بالله ﴿وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين﴾ أي ولا يحُثُّ نفسه ولا غيره على إِطعام المسكين قال المفسرون: ذكر الحضَّ دون الفعل للتنبيه على أن تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الإِحسان والصدقة؟ ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ﴾ أي فليس له في الآخرة صديق يدفع عنه العذاب، لأن الأصدقاء يتحاشونه، ويفرُّون منه ﴿وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ أي وليس له طعام إِلا صديد أهل النار، الذي يسيل من جراحاتهم ﴿لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ الخاطئون﴾ أي لا يأكله إِلا الآثمون المجرمون المرتكبون للخطايا والآثام قال المفسرون: ﴿الخاطئون﴾ جمع خاطىء وهو الذي يعتمد الذنب، والمخطىء الذي يفعل الشيء خطاأ دون قصد، ولهذا قال ﴿الخاطئون﴾ ولم يقل المخطئون.. ولما ذكر أحوال السعداء من أهل الجنة، ثم أحوال الأشقياء من أهل النار، ختم الكلام بتعظيم القرآن فقال ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ﴾ أي فأقسم بالمشاهدات والمغيبات، أُقسم بما ترونه وما لا ترونه، مما هو واقعٌ تحت الأبصار، وما غاب وخفي عن الأنظار، و ﴿لا﴾ في قوله ﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ لتأكيد القسم وليست نافية قال الإِمام الفخر: والآية تدل على العموم والشمول، لأنها لا تخرج عن قسمين: مبصرٍ وغير مبصر، فشملت الخالق والخلق، والدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإِنس والجن، والنعم الظاهرة والباطنة قال قتادة: هو عام في جميع مخلوقاته جلاَّ وعلا، وقال عطاء: ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ أي إن هذا القرآن لكلام الرحمن، يتلوه ويقرأه رسولٌ كريم، هو محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم قال القرطبي: والرسول ههنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ونسب القول إِليه لأنه تاليه ومبلغه عن الله تعالى ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ أي وليس القرآن كلام شاعر كما تزعمون، لأنه مباين لأوزان الشعر كلها، فليس شعراً ولا نثراً ﴿قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ﴾ أي قلَّما تؤمنون بهذا القرآن قال مقاتل: يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله، بمعنى لا يؤمنون به أصلاً، والعرب تقول: قلَّما يأتينا يريدون لا يأتينا ﴿وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ أي وليس هو بقول كاهنٍ يدعي معرفة الغيب، لأن القرآن يغاير بأسلوبه سجع الكهان ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ أي قلَّما تتذكرون وتتعظون ﴿تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾ أي هو تنزيلٌ من ربِّ العزة جل وعلا كقوله تعالى
{وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العالمين


الصفحة التالية
Icon