نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [الشعراء: ١٩٢١٩٥] والغرض من الآية تبرئة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مما نسبه إِليه المشركون من دعوى السحر والكهانة، ثم أكَّد ذلك بأعظم برهان على أن القرآن من عند الله فقال ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل﴾ أي لو اختلق محمد الأقوال، ونسب إِلينا ما لم نقله ﴿لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين﴾ أي لانتقمنا منه بقوتنا وقدرتنا ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين﴾ أي ثم لقطعنا نياط قلبه حتى يموت قال القرطبي: والويتنُ عرق يتعلق به القلب، إِذا انقطع مات صاحبه والغرض أنه تعالى يعاجله بالعقوبة ولا يمهله، لو نسب إِلى الله شيئاً ولو قليلاً، فإِن تسمية الأقوال بالأقاويل للتصغير والتحقير ﴿فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ أي فما يقدر أحد منكم أن يحجز بيننا وبينه، لو أردنا حينئذٍ عقوبته، ولا أن يدفع عنه عذابنا قال الخازن: المعنى إِن محمداً لا يتكلم الكذب علينا لأجلكم، مع علمه أنه لو تكلم لعاقبناه، ولا يقدر أحدٌ على دفع عقوبتنا عنه ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي وإِن هذا القرآن لعظةٌ للمؤمنين والمتقين الذين يخشون الله، وخصَّ المتقين بالذكر لأنهم المنتفعون به ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ﴾ أي ونحن نعلم أن منكم من يكذب بهذا القرآن مع وضوح آياته، ويزعم أنه أساطير الأولين، وفي الآية وعيدٌ لمن كذب بالقرآن ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الكافرين﴾ أي وإِنه لحسرة عليهم في الآخرة، لأنهم يتأسفون إِذا رأوا ثواب من آمن به ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ اليقين﴾ أي وإِنه لحقٌ يقينيٌ لا يحوم حوله ريب، ولا يشك عاقل أنه كلام رب العالمين ﴿فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ العظيم﴾ أي فنزَّه ربك العظيم عن السوء والنقائص، واشكره على ما أعطاك من النعم العظيمة، التي من أعظمها نعمة القرآن.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من الفصاحة والبيان نوجزها فيما يلي:
١ - الإِطناب بتكرار الاسم للتهويل والتعظيم ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ الخ.
٢ - التفصيل بعد الإِجمال زيادة في البيان ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة﴾ ثم فصله بقوله ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية وَأَمَا عَادٌ﴾ الآية وفيه لفٌ ونشر مرتب.
٣ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ ذكرت الأداة وحذف وجه الشبه.
٤ - الاستعارة اللطيفة الفائقة ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء﴾ الطغيان من صفات الإِنسان، فشبه ارتفاع الماء وكثرته، بطغيان الإِنسان على الإِنسان بطريق الاستعارة.
٥ - جناس الاشتقاق مثل ﴿وَقَعَتِ الواقعة﴾ ومثل ﴿لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ﴾.
٦ - المقابلة البديعة ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ﴾ قابلها بقوله ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ..﴾ الخ وهي من المحسنات البديعية.