غير نازل، لإِنكارهم للبعث والحساب ﴿وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾ أي ونحن نراه قريباً لأن كل ما هو آتٍ قريب.
. ثم أخبر تعالى عن هول العذاب وشدته وعن أهوال يوم القيامة فقال ﴿يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل﴾ أي تكون السماء سائلة غير متماسكة، كالرصاص المذاب قال ابن عباس: كدردي الزيت أي كعكر الزيت ﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن﴾ أي وتكون الجبال متناثرة متطايرة، كالصوف المنفوش إِذا طيَّرته الريح قال القرطبي: العهن الصوف الأحمر أو ذو الألوان، شبَّه الجبال به في تلونها ألواناً، وأول ما تتغير الجبال تصير رملاً مهيلاً، ثم عهناً منفوشاً، ثم هباءً منثوراً.. هذه حال السماء والأرض في ذلك اليوم المفزع، أما حال الخلائق فهي كما قال تعالى ﴿وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾ أي لا يسأل صديق صديقه، ولا قريب قريبه عن شأنه، لشغل كل إِنسانٍ بنفسه، وذلك لشدة ما يحيط بهم من الهول والفزع ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي يرونهم ويعرفونهم، حتى يرى الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته، فلا يسأله ولا يكلمه بل يفر منه كقوله تعالى ﴿يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وصاحبته وَبَنِيهِ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٤٣٧] قال ابن عباس: ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ أي يعرف بعضهم بعضاً ويتعارفون بينهم، ثم يفرُّ بعضهم من بعض ﴿يَوَدُّ المجرم لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ﴾ أي يتمنى الكافر مرتكب جريمة الجحود والتكذيب لو يفدي نفسه من عذاب الله، بأعز من كان عليه في الدنيا من ابنٍ، وزوجةٍ، وأخٍ ﴿وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ﴾ أي وعشيرته التي كانت تضمه إِليها، ويتكل في نوائبه عليها، وليس هذا فحسب بل يتمنى لو يفتدي بجميع أهل الأرض ﴿وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ﴾ أي وبجميع من في الأرض من البشر وغيرهم ثم ينجو من عذاب الله، ولكن هيهات أن ينجو المجرم من العذاب، أو ينقذه ذلك من شدة الكرب، وفادح الخطب، قال الإِمام الفخر: ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد الإِنجاء يعني يتمنى لو كان هؤلاء جميعاً تحت يده، وبذلهم في فداء نفسه ثم ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه ﴿كَلاَّ إِنَّهَا لظى﴾ ﴿كَلاَّ﴾ أداة زجر وتعنيف أي لينزجر هذا الكافر الأثيم وليرتدع عن هذه الأماني، فليس ينجيه من عذاب الله فداء، بل أمامه جهنم، تتلظَّى نيرانها وتلتهب ﴿نَزَّاعَةً للشوى﴾ أي تنزعٍ بشدة حرها جلدة الرأس من الإِنسان كلما قلعت عادت كما كانت زيادة في التنكيل والعذاب، وخصَّها بالذكر لأنها أشد الجسم حساسيةً وتأثيراً بالنار ﴿تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وتولى﴾ أي تنادي جهنم وتهتف بمن كذب بالرحمن، وأعرض عن الإِيمان، قال بان عباس: تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح تقول: إِليَّ يا كافر، إِليَّ يا منافق، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب ﴿وَجَمَعَ فأوعى﴾ أي وتدعو من جمع المال وخبأه وكنزه في الخزائن والصناديق، ولم يؤد منه حقَّ الله وحق المساكين قال المفسرون: والآية وعيدٌ شديد لمن يبخل بالمال، ويحرص على جمعه، فلا ينفقه في سبيل الخير، ولا يخرج منه حقك الله


الصفحة التالية
Icon