حقَّ المسكين، وقد كان الحسن البصري يقول: يا ابن آدم سمعتَ وعيدَ الله ثم أوعيت الدنيا جمعتها من حلالٍ وحرام!! ثم أخبر تعالى عن طبيعة الإِنسان، وما جبل عليه من الحرص الشديد على جمع حطام الدنيا فقال ﴿إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً﴾ أي إِن الإِنسان جبل على الضجر، لا يصبر على بلاء، ولا يشكر على نعماء قال المفسرون: الهلع: شدة الحرص وقلة الصبر، يقال: جاع فهلع، والمراد بالإِنسان العموم بدليل الاستثناء، والاستثناء معيار العموم، ثم فسَّره تعالى بقوله ﴿إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً﴾ أي إِذا نزل به مكروه من فقر، أو مرضٍ، أو خوف، كان مبالغاً في الجزع مكثراً منه، واستولى عليه اليأس والقنوط ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً﴾ أي وإِذا أصابه خيرٌ من غنى، وصحة وسعة رزق كان مبالغاً في المنع والإِمساك، فهو إِذا أصابه الفقر لم يصبر، وإِذا أغناه الله لم ينفق قال ابن كيسان: خلق الله الإِنسان يحب ما يسره، ويهرب مما يكرهه، ثم تعبَّده بإِنفاق ما يحب والصبر على ما يكره ﴿إِلاَّ المصلين﴾ استثناهم من أفراد البشر الموصوفين بالهلع، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها ولا يبخلون بخيرها ﴿الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ أي مواظبون على أداء الصلاة، لا يشغلهم عنها شاغل، لأن نفوسهم صفت من أكدار الحياة، بتعرضهم لنفحات الله ﴿والذين في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ أي في أموالهم نصيبٌ معيَّن فرضه الله عليهم وهو الزكاة ﴿لِّلسَّآئِلِ والمحروم﴾ أي للفقير الذي يسأل وتكيفف الناس، والمحروم الذي يتعفف عن السؤال، فيُظن أنه غنيٌ فيحرم كقوله تعالى
﴿يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَآءَ مِنَ التعفف﴾ [البقرة: ٢٧٣] ﴿والذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدين﴾ أي يؤمنون بيوم الحساب والجزاء، ويصدِّقون بمجيئه تصديقاً جازماً لا يشوبه شك أو ارتياب، فيستعدون له بالأعمال الصالحة ﴿والذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ أي خائفون على أنفسهم من عذا بالله، يرجون الثواب ويخافون العقاب ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ أي لأن عذاب الله لا ينبغي أن يأمنه، إِنسان، إِلاَّ من آمنَّه الرحمن والأمور بخواتيمها.. إِنَّ هؤلاء المصدقين المشفقين قلَّما تزدهيهم الدنيا، أو يبطرهم نعيمها، أو يجزعون على ما فاتهم من حطامها، فسواءٌ عليهم أخسروا حظوظ الدنيا أم غنموا، إِذ أن لديهم من الكفر في جلال ربهم، وذكر معادهم، ما يشغلهم عن الجزع إِذا مسَّهم الشر، ويربأ بهم عن المنع إِذا مسهم الخير، ثم ذكر تعالى الفريق الخامس من الموفقين للخيرات وفعل الطاعات فقال ﴿والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ أي أعفاء لا يرتكبون المحارم، ولا يتلوثون بالمآثم، قد صانوا أنفسهم عن الزنى والفواحش ﴿إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ أي يقتصرون على ما أحلَّ الله لهم من الزوجات المنكوحات، والرقيقات المملوكات ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ أي فإِنهم غير مؤاخذين لأن وضع الشهوة فيما أباح الله من الزوجات والمملوكات، حلالٌ يؤجر عليه الإِنسان، لما فيه من تكثير النسل والذرية ﴿فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذَلِكَ فأولئك هُمُ العادون﴾ أي فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فقد تعدَّى حدود الله وعرَّض نفسه لعذاب الله قال الطبري: من التمس لفرجه منكحاً سوى زوجته أو ملك يمينه، ففاعلوا ذلك هم العادون، الذين تعدوا حدود ما أحل الله لهم، إِلى ما