حرَّمه عليهم، فهم الملومون ﴿والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ أي يؤدون الأمانات، ويحفظون العهود، فإِذا ائتمنوا لم يخونوا، وإِذا عاهدوا لم يغدروا ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ﴾ أي يشهدون بالحق على القريب والبعيد، ولا يكتمون الشهادة ولا يغيرونها، بل يؤدونها على وجهها الكامل، بحيث تصان بها حقوق الناس ومصالحه، وخصَّها بالذكر مع اندراجها في الأمانات، تنبيهاً على فضلها لأن في إِقامتها إِحياء للحقوق، وفي تركها تضييع للحقوق ﴿وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ هذا هو الوصف الثامن من أوصاف المؤمنين الذين وفقهم الله إِلى تطهير نفوسهم من خلق الهلع المذموم أي يراعون شرائط الصلاة ويلتزمون آدابها، ولا سيما الخشوع والتدبر ومراقبة الله فيها، وإِلاَّ كانت حركات صورية لا يجني البعد ثمرتها، فإِن فائدة الصلاة أن تكف عن المحارم
﴿إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر﴾ [العنكبوت: ٤٥] ولما كانت الصلاة عمود الإِسلام بولغ في التوكيد فيها، فذكرت في أول الخصال الحميدة وفي آخرها، ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني عليها الإِسلام، قال القرطبي: ذكر تعالى من أوصافهم في البدء ﴿الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ ثم قال في الختم ﴿وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ والدوام غير المحافظة، فدوامهم عليها أن يحافظوا على أدائها، لا يخلون بها ولا يشتغلون عها بشيءٍ من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إِسباغ الوضوء لها ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها وآدابها، ويحفوظها من الإِحباط باقتراف المآثم، فالدوام يرجع الى نفس الصلوات، والمحافظة ترجع الى أحوانها، وبعد أن ذكر تعالى أوصاف المؤمنين المتقين، ذكر مآلهم وعاقبتهم فقال ﴿أولئك فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾ أي أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة، والمناقب الرفيعمة، مستقرون في جنات النعيم، التي أكرمهم الله فيها بأنواع الكرامات، مع الإِنعام والتكريم بأنواع الملاذ والمشتهيات، لا تصافهم بمكارم الأخلاق ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ ؟ أي ما لهؤلاء الكفرة المجرمين، مسرعين نحوك يا محمد، ما دين أعناقهم إِليك، م مقبلين بأبصارهم عليك؟ قال المفسرون: كان المشركون يجتمعون حول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حلقاً حلقاً، يسمعون كلامه ويستهزئون به وبأصحابه، ويقولون: إِن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محد فلندخلنها قبلهم فنزلت الآية ﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال عِزِينَ﴾ أي جالسين عن يمينك وعن شمالك فرقاً فرقاً، وجماعات جماعاتٍ يتحدثون ويتعجبون؟ قال أبو عبيدة: عزين أي جماعات جماعات في تفرقة ومنه «مالي أراكم عزين؟ ألا تصفون كما تصفُّ الملائكة عند ربها» ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ استفهام إِنكاري مع التقريع والتوبيخ أي أيطمع كل واحد من هؤلاء الكفار، أن يدخله الله جنات النعيم، وقد كذب خاتم