المرسلين، لأنه أطولهم عمراً فقد مكث في قومه كما قص القرآن الكريم ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ [العنكبوت: ١٤] يدعوهم إلى الله، ومع طول هذه المدة لم يؤمن معه إلا قليل، وقد أفرد القرآن قصته في هذه السورة الكريمة التي تسمى «سورة نوح» من بدء الدعوة إِلى نهايتها، حيث أهلك الله قومه بالطوفان، وهو أحد الرسل الكبار من أولي العزم وهم خمسة «نوح، ابراهيم، موسى، عيسى، محمد» صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وقد شاع الكفر في زمانه وذاع، واشتهر قومه بعبادة الأوثان، واكثروا من البغي والظلم والعصيان، فبعث الله لهم نوحاً عليه اسلام وكان من خبرهم مع نبيهم ما قصه الله علينا في القرآن ﴿أَنِ اعبدوا الله واتقوه وَأَطِيعُونِ﴾ أي فقال لهم: اعبدوا الله وحده، واتركوا محارمه، واجتنبوا مآثمه، وأطيعوني فيما أمرتكم به من طاعة الله، وترك عبادة الأوثان والأصنام ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ أي إنكم إن فعلتم ما أمرتكم به، يمحو الله عنكم ذنوبكم التي اقترفتموها، وإنما قال ﴿مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ أي بعض ذنوبكم التي حصلت قبل الإِسلام، لأن الإِيمان يجب ما قبله من الذنوب لا ما بعده ﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي ويمد في أعماركم إن أطعتم ربكم، إلى وقت مقدر ومقرر في علم الله تعالى، مع التمتع بالحياة السعيدة، والعيش الرغيد قال المفسرون: المراد بتأخير الأجل هو التأخير بلا عذاب، أي يمهلهم في الدنيا بدون عذاب إلى انتهاء آجالهم، وأما العمر فهو محدود لا يتقدم ولا يتأخر ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤] ولهذا قال بعده ﴿إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ﴾ أي إن عمر الإِنسان عند الله محدود، لا يزيد ولا ينقص، وإنما أضيف الأجل إلى الله سبحانه لأنه هو الذي كتبه وأثبته ﴿لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي لو كنتم تعلمون ذلك لسارعتم إلى الإِيمان ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً﴾ أي قال نوح بعد أن بذل غاية الجهد، وضاقت عليه الحيل: يا رب إِني دعوت قومي إلى الإِيمان والطاعة، في الليل والنهار، من غير فتور ولا توانٍ ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً﴾ أي فلم يزدهم دعائي لهم إلى الإِيمان إلا هرباً، وشروداً عن الحق، وإعراضاً عنه.
. ثم وصف نفورهم وصور إعراضهم أبلغ تصوير فقال ﴿وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ﴾ أي ك لما دعوتهم إلى الإِقرار بوحدانية الله والعمل بطاعته، ليكون سبباً في مغفرة ذنوبهم قال في التسهيل: ذكر المغفرة التي هي سبب عن الإِيمان، والعمل بطاعته، ليكون سبباً في مغفرة ذنوبهم قال في التسهيل: ذكر المغفرة التي هي سبب عن الإِيمان، ليظهر قبح إعراضهم عنه، فإنهم أعرضوا عن سعادتهم ﴿جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ﴾ أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا دعوتي ﴿واستغشوا ثِيَابَهُمْ﴾ أي غطوا رؤوسهم ووجوههم بثابهم، لئلا يسمعوا كلامي أو يروني قال في البحر: والظاهر أن ذلك حقيقة، سدوا مسامعهم حتى لا يسمعوا ما دعاهم إِليه، وتغَطَّوا بثيابهم حتى لا ينظروا إليه، كراهة وبغضاً من سماع النصح ورؤية الناصح، ويجوز أن يكون ذلك كناية عن المبالغة في إعراضهم عمَّا دعاهم إليه، فهم بمنزلة من سد سمعه، ومنع بصره {


الصفحة التالية
Icon