بأمر عظيم، وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا فنحن نجيرك وننصرك فنزلت ﴿قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً﴾ أي قل يا محمد في محاجَّة هؤلاء: إني لا أقدر أن أدفع عنكم ضراً، ولا أجلب لكم نفعاً، وإنما الذي يملك هذا هو الله رب العالمين ﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ أي قل لهم أيضاً: إنه لن ينقذني من عذاب الله أحد إن عصيته، ولن أجد لي نصيراً ولا ملجأًمنه، فكيف أجيبكم إلى ما طلبتم؟ قال قتادة: ﴿مُلْتَحَداً﴾ ملجأً ونصيراً ﴿إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ﴾ أي لا أجد ملجأً إلا إذا بلغت رسالة ربي، ونصحتكم وأرشدتكم كما أمرني الله فحينئذ يجيرني ربي من العذاب كقوله تعالى
﴿ياأيها الرسول بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ [المائدة: ٦٧] قال ابن كثير: أي لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليَّ ﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ أي ومن كذب الله ورسوله، ولم يؤمن بلقاء الله، وأعرض عن سماع الآيات وتدبر الرسالات، فإن جزاءه جهنم لا يخرج منها أبداً وإنما جمع ﴿خَالِدِينَ﴾ حملاً على معنى ﴿مَنْ﴾ لأن لفظها مفرد ومعناها جمع ﴿حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ أي حتى إذا رأى المشركون ما يوعدون من العذاب ﴿فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾ أي فسيعلمون حنيئذ من هم أضعف ناصراً ومعيناً، وأقل نفراً وجنداً؟ هل هم؟ أم المؤمنون الموحدون؟ ولا شك أن الله ناصر عباده المؤمنين، فهم الأقوى ناصراً والأكثر عدداً، لأن الله معهم وملائكته الأَبرار ﴿قُلْ إِنْ أدري أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ ؟ أي قل لهم يا محمد: ما أدري هل هذا العذاب الذي وعدتم به قريب زمنه ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَداً﴾ أي أم هو بعيد له مدة طويلة وأجل محدود؟ قال المفسرون: كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كلما خوف المذكبين نار جهنم، وحذرهم أهوال الساعة، أظهروا الاسخفاف بقوله، وسألوه متى هذا العذاب؟ ومتى تقوم هذه الساعة؟ فأمره تعالى أن يقول لهم: لا أدري وقت ذلك، هل هو قريب أم بعيد؟ ﴿عَالِمُ الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً﴾ أي هو جل وعلا عالم بما غاب عن الأبصار، وخفي عن الأنظار، فلا يطلع على غيبه أحداً من خلقه ﴿إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ﴾ أي إلا من اختاره الله وارتضاه لرسالته ونبوته، فيظهره الله على ما يشاء من الغيب قال المفسرون: لا يطلع الله على غيبه أحداً إلا بعض الرسل، فإنه يطلعهم على بعض الغيب، ليكون معجزة لهم، فإن الرسل مؤيدون بالمعجزات، ومنها الإِخبار عن بعض المغيبات، كما قال عن عيسى
﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ [آل عمران: ٤٩] ﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ أي فإنه تعالى يرسل من أمام الرسول ومن خلفه، ملائكة وحرساً يحفظونه من الجن، ويحرسونه في ضبط ما يلقيه تعالى إليه من علم الغيب قال الطبري: أي فإنه تعالى يرسل من أمامه ومن خلفه حرساً وحفظةً يحفظونه من الجن ﴿لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُواْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ﴾ أي ليعلم الله علم ظهور فإنه تعالى عالم بما كان وما