المؤلم الذي أعده للمشركين، ومكانه وهو الجحيم، وآلاته وهي القيود وطعام الزقوم، ووقته وهو عند اضطراب الأرض وتزلزلها بمن عليها، وأراد بذلك تخويف المكذبين وتهديدهم بأنه تعالى سيعاقبهم بذلك كله، إن بقوا مستمرين في تكذيبهم لرسول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، ثم أعقبه بتذكيرهم بما حلَّ بالأمم الباغية التي قد خلت من قبلهم، وكيف عصت وتمردت فأنزل بها من أمره ما أنزل، وضرب لهم المثل بفرعون الجبار فقال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ﴾ أي بعثنا لكم يا أهل مكة محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شاهداً على أعمالكم، يشهد عليكم بما صدر منكم من الكفر والعصيان ﴿كَمَآ أَرْسَلْنَآ إلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً﴾ أي كما بعثنا إلى ذلك الطاغية فرعون الجبار، رسولاً من أولئك الرسل العظام «أولي العزم» وهو موسى بن عمران قال الخازن: وإِنما خصَّ فرعون وموسى بالذكر من بين سائر الأمم والرسل، لأن محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ آذاه أهل مكة واستخفوا به لأنه وُلد فيهم، كما أن فرعون أزدرى بموسى وآذاه لأنه ربَّاه ﴿فعصى فِرْعَوْنُ الرسول﴾ أي فكذب فرعون بموسى ولم يؤمن به، وعصى أمره كما عصيتم يا معشر قريش محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكذبتم برسالته ﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً﴾ أي فأهلكناه إهلاكاً شديداً فظيعاً، خارجاً عن حدود التصور، وذلك بإِغراقه في البحر مع قومه قال أبو السعود: وفي الآية التنبيه على أنه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأولئك لا محالة، و «الوبيلُ» الثقيل الغليظ من قولهم كلأٌ وبيل أي وخيم لا يستمرأ لثقله.
. وبعد أن ذكر الله أخذه لفرعون، وأن ملكه وجبروته لم يدفعا عنه العذاب، عاد فذكَّر كفار مكة بالقيامة وأهوالها ليبيّن لهم أنهم لن يفلتوا من العذاب كما لم يفلت فرعون مما حدث له فقال ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً﴾ أي كيف لا تحذون وتخافون يا معشر قريش عذاب يوم هائل إن كفرتم بالله ولم تؤمنوا به؟ وكيف تأمنون ذلك اليوم الرهيب الذي يشيب فيه الوليد من شدة هوله، وفظاعة أمره؟ قال الطبري: وإنما تشيب الولدان من شدة هوله وكربه، وذلك حين يقول الله لآدم: أخرج من ذريتك بعث النار، من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون، فيشيب هنالك كل وليد.. ثم زاد في وصفه وهوْله فقال ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ﴾ أي السماء متشققة ومتصدّعة من هول ذلك اليوم الرهيب العصيب ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً﴾ أي كان وعده تعالى بمجيء ذلك اليوم واقعاً لا محالة، لأن الله لا يخلف الميعاد ﴿إِنَّ هذه تَذْكِرَةٌ﴾ أي إن هذه الآيات المخوّفة، التي فيها القوارع والزواجر، عظةٌ وعبرةٌ للناس ﴿فَمَن شَآءَ اتخذ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾ أي فمن شاء من الغافلين الناسين، أن يستفيد من هذه التذكرة قبل فوات الأوان، فليسلك طريقاً موصلاً إلى الرحمن، بالإِيمان والطاعة، فالأسبابُ ميسرة، والسبل معبَّدة، قال المفسرون: والغرض الحضُّ على الإِيمان وطاعة الله عَزَّ وَجَلَّ، والترغيب في الأعمال الصالحة، لتبقى ذخراً في الآخرة.. ثم عادت الآيات الكريمة للحديث عمَّا بدأته في أول السورة من قيام الليل فقال تعالى ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَيِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ﴾ أي إن