يا ابن المعلى نزلت إحدى الكبر... داهية الدهر وصمَّاء الغير
﴿قَسْوَرَةٍ﴾ أسد، من القسر وهو القهر، سمي بذلك لأنه يقهر السباع، وقيل هو جماع الرماة الذين يتصيدون قال الأزهري: هو اسم جمع للرماة لا واحد له من جنسه قال لبيد:
إذا ما هتفنا هتفة في ندَّينا... أتانا الرجال الصَّائدون القساور
سَبَبُ النّزول: روي أنه لما نزل قوله تعالى ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ قال أبو جهل لقريش: ثكلتكم أمهاتكم إن ابن أبي كبشة يعني محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتوعدنا ويخوفنا بجهنم، ويخبر أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الجمع العظيم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا بواحد منهم!! فقال «أبو الأسد الجمحي» : أنا أكفيكم منهم سبعة عشر، واكفوني اثنين، فأنزل الله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ... ﴾ الآية.
التفسِير: ﴿ياأيها المدثر قُمْ فَأَنذِرْ﴾ أي يا أيها المتغطي بقطيفته يريد النوم والراحة، قم من مضجعك قيام عزم وتصميم، وحذر الناس من عذاب الله إن لم يؤمنوا، خوطب صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بهذا اللفظ «المدثر» مؤانسة له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتلطفاً، كما خوطب بلفظ ﴿المزمل﴾ في السورة السابقة قال المفسرون: «كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يتعبد في غار حراء فجاءه جبريل بالآيات الكريمة ﴿اقرأ باسم رَبِّكَ الذي خَلَقَ..﴾ [العلق: ١] الآيات وهي أول ما نزل عليه من القرآن، فرجع يرجف فؤاده فقال لخديجة: زملوني، زملوني فنزلت ﴿ياأيها المزمل قُمِ اليل إِلاَّ قَلِيلاً﴾ » [المزمل: ١٢] الآيات ثم فتر الوحي فحزن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فبينا هو يمشي سمع صوتاً من السماء، فرفع رأسه فإِذا الملك الذي جاءه بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فعراه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من رؤيته الرغب والفزع، فجاء إلى أهله فقال: دثروني، دثروني فأنزل الله ﴿ياأيها المدثر قُمْ فَأَنذِرْ﴾ قال القرطبي: وفي هذا النداء ملاطفة في الخطاب، من الكريم إلى الحبيب، إذ ناداه بوصفه ولم يقل «يا محمد» ليستشعر اللين والملاطفة من ربه، ومثله قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لحذيفة بن اليمان يوم الخندق: «قم يا نومان» ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ أي عظمربك، وخصه بالتمجيد والتقديس، وأفرده بالعظمة والكبرياء، فليس هناك من هو أكبر من الله قال الألوسي: أي اخصص ربك بالتنكير، وهو وصفه تعالى بالكبرياء والعظمة، اعتقاداً وقولاً، وإنما ذكرت هذه الجملة بعد الأمر بالإِنذار، تنبيهاً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على عدم الاكتراث بالكفار، فإن نواصي الخلائق بيد الجبار، فلا ينبغي أن يبالي الرسول بأحد من الخلق، ولا أن يرهب سوى الله، فإن كل كبير مقهور تحت عظمته تعالى وكبريائه ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أي وثيابك فطهرها من النجاسات والمستقذرات، فإن المؤمن طيبٌ طاهر، لا يليق منه أن يحمل الخبيث، قال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون، فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه وقال ابن عباس: كنَّى بالثياب