عباس: ﴿ذِي الذكر﴾ أي ذي الشرف ﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾ أي بل الكافرون في حميةٍ وتكبرٍ عن الإِيمان، وفي خلافٍ وعداوة للرسول عليه السلام قال البيضاوي: أي ما كفر من كفر بالقرآن لخلَلٍ وجده فيه بل الذين كفروا به ﴿عِزَّةٍ﴾ أي استكبار عن الحق ﴿وَشِقَاقٍ﴾ أي خلاف للهِ ولرسوله ولذلك كفروا به ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾ أي كم أهلكنا قبل أهل مكة من أمم كثيرة من القرون الخالية، لكبرهم عن الحق ومعاداتهم لرسلهم، قال أبو السعود: والآية وعيد لأهل مكة على كفرهم واستكبارهم ببيان ما أصاب من قبلهم من المستكبرين ﴿فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾ أي فاستغاثوا واستجاروا عند نزول العذاب طلباً للنجاة، وليس الحينُ حينَ فرارٍ ومهرب ونجاة قال ابن جزي: المعنى أن القرون الذين هلكوا دعوا واستغاثوا حين لم ينفعهم ذلك، إذ ليس الحين الذي دعوا فيه حين مناص أي مفر ونجاة من ناص ينوص إذا فرَّ، ولات بمعنى ليس وأصلها لا النافية زيدت عليها علامة التأنيث ﴿وعجبوا أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ﴾ أي وعجب المشركون من بعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ واستبعدوا أن يبعث الله رسولاً من البشر ﴿وَقَالَ الكافرون هذا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ أي وقال كفار مكة: إن محمداً ساحرٌ فيما يأتي به من المعجزات ﴿كَذَّابٌ﴾ أي مبالغ في الكذب في دعوى أنه رسول الله، وإنما وضع الاسم الظاهر ﴿الكافرون﴾ مكان الضمير «وقالوا» غضباً عليهم، وذماً لهم وتسجيلاً لجريمة الكفر عليهم، فإن هذا الاتهام لا يقوله إلا المتوغلون في الكفر والفسوق ﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً﴾ ؟ أي أزعم أن الربَّ المعبود واحد لا إله إلا هو؟ ﴿إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ أي إنَّ هذا الذي يقوله محمد ان الإله واحد شيء بليغٌ في العجب قال ابن كثير: أنكر المشركون ذلك قبَّحهم الله وتعجبوا من ترك الشرك بالله، فإنهم كانوا قد تلقَّوا عن آبائهم عبادة الأوثان وأُشربته قلوبهم، فلما دعاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إلى خلع الأوثان وإفراد الإِله بالوحدانية، أعظموا ذلك وتعجبوا وقالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ قال المفسرون:
«إن قريشاً اجتمعوا وقالوا لأبي طالب: كُفَّ ابنَ أخيك عنا، فإنه يعيب ديننا، ويذم آلهتنا، ويسفِّه أحلامنا، فدعاه أبو طالب وكلَّمه في ذلك، فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يا عم: إنما أُريد منهم كلمةً واحدة، يملكون بها العجم، وتدين لهم بها العرب، فقال أبو جهل والمشركون: نعم نعطيكها وعشر كلماتٍ معها!! فقال قولوا:» لا إله إلا الله «فقاموا فزعين ينفصون ثيابهم ويقولون ﴿أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً... ﴾ ؟» فنزلت الآيات ﴿وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ﴾ أي وانطلق أشراف قريش ورؤساء الضلال فيهم، وخرجوا من عند الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم، ولا تطيعوا محمداً فيما يدعوكم إليه من عبادة الله الواحد الأحد ﴿إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ﴾ أي هذا أمرٌ مدبَّر، يريد من ورائه محمد أن يصرفكم عن دين آبائكم لتكون له العزة والسيادة عليكم،