فاحذروا أن تطيعوه ﴿مَا سَمِعْنَا بهذا فِى الملة الآخرة﴾ أي ما سمعنا بمثل هذا القول في ملة النصرانية التي هي آخر الملل، فإنهم يقولون بالتثليث لا بالتوحيد، فيكف يزعم محمد أنَّ الله واحد؟ قال ابن عباس: يعنون بالملة الآخرة دينَ النصرانية وقال مجاهد وقتادة: يعنون دين قريش أي ليس هذا في الدين الذي أدركنا عليه آبائنا ﴿إِنْ هذا إِلاَّ اختلاق﴾ أي ما هذا الذي يدعيه محمد إلا كذب وافتراء، ثم أنكروا اختصاصه عليه السلام بالوحي من بينهم فقالوا ﴿أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذكر مِن بَيْنِنَا﴾ ؟ الاستفهام للإِنكار أي هل تنزَّل القرآن على محمد دوننا، مع أن فينا من هو أكثر منه مالاً، وأعلى رياسةً؟
قال الزمخشري: أنكروا أن يختص صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالشرف من بين أشرافهم ورؤسائهم، وهذا الإنكار ترحمة عما كانت تغلي به صدورهم من الحسد على ما أوتي من شرف النبوة من بينهم ﴿بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي﴾ إضرابٌ عن مقدر تقديره: إنكارهم للذكر ليس عن علم بل هم في شك منه فلذلك كفروا ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ اضراب انتقالي وغرضه التهديد والمعنى سبب شكهم أنهم لم يذوقوا العذاب إلى الآن، ولو ذاقوه لأيقنوا بالقرآن وآمنوا به ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ا ; لْعَزِيزِ الوهاب﴾ ؟ هذا ردٌّ على المشركين فيما أنكروا من اختصاص محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالنبوة والمعنى هل عندهم خزائن رحمته تعالى حتى يعطوا النبوة من شاءوا، ويمنعوها من شاءوا؟ قال البيضاوي: يريد أن النبوة عطيةٌ من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده، فإنه ﴿العزيز﴾ أي الغالب الذي لا يغلب ﴿الوهاب﴾ أي الذي له أن يهب ما يشاء لمن يشاء ﴿أَمْ لَهُم مُّلْكُ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ ؟ أي هل لهم شيء من ملك السموات والأرض؟ وهو إنكار وتوبيخ ﴿فَلْيَرْتَقُواْ فِى الأسباب﴾ أي ان كان لهم شيء من ذلك فليصعدوا في المراقي التي توصلهم إلى السماء، وليدبروا شئون الكون؟ وهو تهكم بهم واستهزاء قال الزمخشري: تهكم بهم غاية التهكم فقال: إن كانوا يصلحون لتدبير الخلائق، والتصرف في قسمة الرحمة، وكان عندهم من الحكمة ما يميزون بها بين من هوحقيقٌ بالنبوة من غيره فليصعدوا في المعارج التي يتوصلون بها إلى العرش، حين يستووا عليه ويدبروا أمر العالم، وينزلوا الوحي على من يختارون، هو غاية التهكم بهم ﴿جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب﴾ التنكير للتقليل والتحقير، ﴿مَا﴾ لتأكيد القلة أي ما هم إلا جندٌ من الكفار، المتحزبين على رسل الله، هم عما قليلٍ يُهزمون ويُولون الأدبار، فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث بما يهذون.
. ثم أخبر تعالى عما نالَ أسلافهم الكفار من العذاب والدمار فقال ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو الأوتاد﴾ أي كذب قبل كفار قريش أممٌ كثيرون منهم قوم نوح، وقوم هود وهم قبيلة «عاد» وفرعون الجبار ذو الملك الثابت بالأوتاد أو ذو الجموع الكثيرة، قال بعض المفسرين: سمي صاحب الإهرامات والمباني العظيمة الثابتة التي تقوم في الأرض كالأوتاد ﴿وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ﴾ أي


الصفحة التالية
Icon