قال عطاء: يجمعان يوم القيامة ثم يُقذفان في البحر، فيكون نار الله الكبرى ﴿يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر﴾ أي يقول الفاجر الكافر في ذلك اليوم: أين المهرب؟ وأين الفرار والمنجى من هذه الكارثة الداهية؟ يقول قول الآيس، لعلمه بأنه لا فرار حنيئذٍ ﴿كَلاَّ لاَ وَزَرَ﴾ ردعٌ له عن طلب الفرار، أي ليرتدع وينزجر عن ذلك القول، فلا ملجأ له، ولا مغيث من عذاب الله ﴿إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المستقر﴾ أي إلى الله وحده مصير ومرجع الخلائق قال الألوسي: إليه جل وعلا وحده استقار العباد، لا ملجأ ولا منجى لهم غيره... والمقصود من الآيات بيان أهوال الآخرة، فاأبصار تنبهر يوم القيامة، وتخشع وتحار من شدة الأهوال؛ ومن عظم ما تشاهده من الأمور العظيمة، والإِنسان يطيش عقله، ويذهب رشده، ويبحث عن النجاة والمخلص، ولكن هيهات فقد جاءت القيامة وانتهت الحياة ﴿يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ أي يُخبر الإِنسان في ذلك اليوم بجميع أعماله، صغيرها وكبيرها، عظيمها وحقيرها، ما قدَّمه منها في حياته، ما أخره بعد مماته، من سنةٍ حسنة أو سيئة، ومن سمعة طيبةٍ أو قبيحة وفي الحديث «من سنَّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ سنةً سيئة فعليه وزرها ووزرُ من عمل بها إلى يوم القيامة، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ﴿بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ أي بل هو شاهد على نفسه، وسوء عمله، وقبح صنيعه، لا يحتاج إلى شاهد آخر كقوله ﴿كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإِسراء: ١٤] والهاءُ في ﴿بَصِيرَةٌ﴾ للمبالغة كرواية وعلاَّمة قال ابن عباس: الإِنسان شاهد على نفسه وحده، يشهد عليه سمعُه، وبصره، ورجلاه، وجوارحه ﴿وَلَوْ ألقى مَعَاذِيرَهُ﴾ أي ولو جاء بكل معذرة ليبرِّر إجرامه وفجوره، فإنه لا ينفعه ذلك، لأنه شاهدٌ على نفسه، وحجةٌ بينه عليها قال الفخر: المعنى أن الإِنسان وإن اعتذر عن نفسه، وجادل عنها، وأتى بكل عذر وحجة، فإنه لا ينفعه ذلك لأنه شاهد على نفسه بما جنت واقترفت من الموبقات.
. وبعد هذا البيان انتقل الحديث إلى القرآن، وطريقة تلقي الوحي عن جبريل فقال تعالى مخاطباً رسوله ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ أي لا تحرك بالقرآن لسانك عند إلقاء الوحي عليك بواسطة جبريل، لأجل أن تتعجل بحفظه مخافة أن يتفلَّت منك ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ أي إن علينا أن نجمعه في صدرك يا محمد وأن تحفظه ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ﴾ أي فإِذا قرأه عليك جبريل، فأنصت لاستماعه حتى يفرغ، ولا تحرك شفيتك أثناء قراءته ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أي ثم إن علينا بيان ما أشكل عليك فهمه يا محمد من معاينة وأحكامه، قال ابن عباس: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك به لسانه وشفتيه، مخافة أن ينفلت منه يريد أن يحفظه فأنزل الله ﴿لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ..﴾ الآيات، فكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بعد ذلك إذا أتاه جبريل عليه السلام أطرق واستمع، فإِذا


الصفحة التالية
Icon