ذهب قرأه كما وعد الله عَزَّ وَجَلَّ قال ابن عباس ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ قال: فاستمعْ وأَنصت ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ قال: أن نبينه بلسانك وقال ابن كثير: كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يبادر إلى أخذ القرآن، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عَزَّ وَجَلَّ أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن يبينه له ويوضحه، فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوتُه، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه ثم عاد الحديث عن المكذبين بيوم الدين فقال تعالى مخاطباً كفار مكة ﴿كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة وَتَذَرُونَ الآخرة﴾ أي ارتدعوا يا معشر المشركين، فليس الأمر كما زعمتم أن لا بعث ولا حساب ولا جزاء، بل أنتم قومٌ تحبون الدنيا الفانية، وتتركون الآخرة الباقية، ولذلك لا تفكرون في العمل للآخرة مع أنها خيرٌ وأبقى ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ﴾ لما ذكر تعالى أن الناس يؤثرون الدنيا ولذائذها الفانية على الآخرة ومسراتها الباقية، وصف ما يكون يوم القيامة من انقسام الخلق إلى فريقين: أبرار، وفجار والمعنى وجوه أهل السعادة يوم القيامة مشرقة حسنة مضيئة، من أثر النعيم، وبشاشة السرور عليها، كقوله تعالى ﴿تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم﴾ [المطففين: ٢٤] ﴿إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ أي تنظر إلى جلال ربها، وتهيم في جماله، أعظم نعيم لأهل الجنة رؤية المولى جلا وعلا والنظر إلى وجهه الكريم بلا حجاب قال الحسن البصري: تنظر إلى الخالق، وحُقَّ لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق، وبذلك وردت النصوص الصحيحة ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾ أي ووجوهٌ يوم القيامة عابسة كالحة، شديدة العبوس والكلوح، وهي وجوه الأشقياء أهل الجحيم ﴿تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾ أي تتوقع أن تنزل بها داهية عظمى، تقسم فقار الظهر، قال ابن كثير: هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة كالحة عابسة، تستيقن أنها هالكة، وتتوقع أن تحل بها داهية تكر فقار الظهر ﴿كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي﴾ ﴿كَلاَّ﴾ ردعٌ وزجر عن إِيثار العاجلة أي ارتدعوا يا معشر المشركين عن ذلك، وتنبهوا لما بين أيديكم من الأهوال والمخاطر، فإن الدنيا دار الفناء، ولا بد أن تتجرعوا كأس المنية، وإِذا بلغت الروح ﴿التراقي﴾ أعالي الصدر، وشارف الإِنسان على الموت ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ أي وقال أهله وأقرباؤه: من يرقيه ويشفيه ممَّا هو فيه؟ قال في البحر: ذكَّرهم تعالى بصعوبة الموت، وهو أول مراحل الآخرة، حين تبلغ الروح التراقي وهي عظام أعلى الصدر فقال أهله: من يرقي ويطب ويشفي هذا المريض؟ ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الفراق﴾ أي وأيقن المحتضر أنه سيفارق الدنيا والأهل والمال، لمعاينته