ملائكة الموت ﴿والتفت الساق بالساق﴾ أي والتفت إحدى ساقي المحتضر على الأخرى، من شدة كرب الموت وسكراته قال الحسن: هما ساقاه إذا التفتا في الكفن، وروي عن ابن عباس أن المراد اجتمعت عليه شدة مفارقة الدنيا، مع شدة كرب الآخرة، كما يقال: شمَّرت الحرب عن ساق، استعارة لشدتها ﴿إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المساق﴾ أي إلى الله جل وعلا مساق العباد، يجتمع عنده الأبرار والفجار، ثم يُساقون إلى الجنة أو النار قال الخازن: أي مرجع العباد الى الله تعالى، يساقون إليه يوم القيامة ليفصل بينهم.
. ثم أخبر تعالى عن حال الجاحد المكذب فقال ﴿فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صلى﴾ أي لم يصدق بالقرآن، ولم يصل للرحمن قال أبو حيان: والجمهور على أ، ها نزلت في «أبي جهل» وكادت أن تصرح به في قوله ﴿يتمطى﴾ فإنها كانت مشيته ومشية قومه بني مخزوم، وكان يكثر منها ﴿ولكن كَذَّبَ وتولى﴾ أي ولكن كذب بالقرآن، وأعرض عن الإِيمان ﴿ثُمَّ ذَهَبَ إلى أَهْلِهِ يتمطى﴾ أي ذهب يتبختر في مشيته، وذلك عبارة عن التنكير والخيلاء ﴿أولى لَكَ فأولى﴾ أي ويلٌ لك يا أيها الشقي ثم ويلٌ لك قال المفسرون: هذه العبارة في لغة العرب ذهبت مذهب المثل في التخويف والتحذير والتهديد، وأصلها أنها أفعل تفضيل من وليه الشيء إِذا قاربه ودنا منه أي وليك الشر وأوشك أن يصيبك، فاحذر وانتبه لأمرك... روي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أخذ بيد أبي جهل ثم قال له: ﴿أولى لَكَ فأولى ثُمَّ أولى لَكَ فأولى﴾ فقال أبو جهل: أتتوعدني يا محمد وتهددني؟ والله لا تستطيع أنتَ وربُك أن تفعلا بي شيئاً، والله إني لأعزُّ أهل الوادي، ثم لم يلبث أن قتل ببدر شر قتلة ﴿ثُمَّ أولى لَكَ فأولى﴾ كرره مبالغة في التهديد والوعيد، كأنه يقول: إني أكرر عليك التحذير والتخويف، فاحذر وانتبه لنفسك، قبل نزول العقوبة بك.
. ولما ذكر في أول السورة إمكان البعث، ذكر في آخر السورة الأدلة على البعث والنشور فقال ﴿أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ ؟ أي أفيظن الإِنسان أن يُترك هملاً، من غير بعثٍ ولا حساب ولا جزاءٍ؟ وبدون تكليف بحيث يبقى كالبهائم المرسلة؟ لا ينبغي له ولا يليق به هذا الحُسبان ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى﴾ الاستفهام للتقرير أي أما كان هذا الإِنسان نطفة ضعيفة من ماء مهين، يراق ويُصب في الأرحام؟ والغرض بيان حقارة حاله كأنه يقول إنه مخلوق من المني الذي يجري مجرى البول ﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى﴾ أي ثم أصبح بعد ذلك قطعة من دم غليظ متجمد يشبه العلقة، فخلقه الله بقدرته في أجمل صورة، وسوَّى صورته وأتقنها في أحسن تقويم ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى﴾ أي فجعل من هذا الإِنسان صنفين، ذكراً وأنثى بقدرته تعالى، هذا هو أصل الإِنسان وتركيبه، فكيف يليق بمثل هذا الضعيف أن يتكبر على طاعة الله؟ ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى﴾ أي أليس ذلك الإِله الخالق الحكيم، الذي أنشأ هذه الأشياء العجيبة، وأوجد الإِنسان من ماءٍ مهين، بقادرٍ على إعادة الخلق بعد فنائهم؟ بلى إنه على كل شيء قدير روي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذا قرأ هذه الآية قال:» سبحانك اللهم بلى «.